بقلم :د. يوسف رزقة
"لا حل لغزة سوى الهجرة، هجرة نشجعها نحن ولن يكون لهم الخيار، سيتوجب عليهم الهجرة؛ لأن غزة بالازدحام الموجود بداخلها، لن يكون من الممكن العيش بها بعد 30، 40، 50 عامًا". الكلام بين علامات التنصيص هو لآفي ديختر رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست؟!
قبل أعوام تمنى (رابين) لو كان بالإمكان نشر غزة بالمنشار وإلقاؤها في البحر. ما يقوله ديختر حول خيار أن يهاجر شباب غزة إلى الخارج، هو شكل عملي لما تمناه رابين من قبل. غزة بالنسبة لدولة الاحتلال عبء ديمغرافي، وسياسي، والخلاص من غزة يكون عندهم بطلاق بائن. غزة مساحة جغرافية محدودة، ومزدحمة، بل هي من أكثر المناطق في العالم ازدحامًا، وبعد عقود ستكون غزة مكانًا لا يصلح للعيش الإنساني في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه دولة الاحتلال.
ولكن الرجل الغزي متمسك بغزة وهو لا يستطيع تلبية دعوة ديختر بالهجرة منها رغم ألم الحصار، فهي في نظر المواطن الغزي أرض رباط، والتمسك بالإقامة فيها هو جزء من الدين الحنيف، وستبقى غزة المحاصرة شوكة في حلق الاحتلال، إلى أن يزول الاحتلال.
إن يهودية الدولة تعني تفريغ فلسطين المحتلة من سكانها العرب، من خلال تشجيع الهجرة بينهم، أو من خلال ما يسمونه التبادل في الأراضي والسكان، وهو ما يرفضه الفلسطينيون في فلسطين المحتلة. إنه الصراع على الأرض، حيث يريدها الاحتلال خالية من السكان، وهو صراع ديمغرافي تعرف دولة الاحتلال تداعياته المستقبلية، لذا هم يرون في يهودية الدولة حلًا لمشكلة العرب في فلسطين المحتلة، ويرى ديختر في فتح أبواب الهجرة أمام الغزيين حلًا لمشكلة غزة.
إن الإجراءات العقابية التي فرضها عباس على غزة في مسألة الكهرباء، والمياه، والرواتب، تساعد الاحتلال فيما يفكر فيه من تهجير الشباب من غزة، ذلك لصعوبة الحياة الاقتصادية والمعيشية مع الحصار والتمادي في عقاب سكان غزة بشكل جماعي؛ لذا يجدر بالرئيس عباس إلغاء إجراءاته الأخيرة، لأن تثبيت السكان على أرضهم وفي مساكنهم هو أول عمل وطني علمتنا إياه النكبة. إن هجرة سكان فلسطين في عام ١٩٤٨م ساعدت العدو على إقامة دولته العنصرية، وإن نزوح الآلاف من الفلسطينيين من غزة والضفة على إثر هزيمة ١٩٦٧م أراح العدو، وكان هذا النزوح بمثابة انتصار آخر للعدو. إن تثبيت السكان على أرضهم في داخل وطنهم هو عمل يجب أن تحرص عليه السلطة رغم الخلافات السياسية، فهو من الأعمال التي تقع في موقع فوق الخلافات السياسية بين الفصائل الفلسطينية.