بقلم : د. يوسف رزقة
بينما تحيي فتح الذكرى (١٢) لوفاة الرئيس ياسر عرفات، وبينما يفتتح محمود عباس متحف عرفات الوطني في رام الله، بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية وسلفه نبيل العربي، وسلفه عمرو موسى، يعلن عباس أن يعرف من قتل عرفات ولكن شهادته وحدها لا تكفي، ولكن قريبا ستكتمل الشهادات ويعلن عن قاتله.
وفي المقابل يرد محمد دحلان خصم عباس اللدود ويستنكر (المتاجرة) بدم عرفات واستشهاده ، على النحو الذي يجري الآن، ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق عربية ذات صلاحيات غير محدودة لوضع النقاط على الحروف.
وأشار دحلان في حديثه عن (المستفيد) من رحيل عرفات، بينما كان عباس يشير إلى دور دحلان فيما يبدو في قتله، وهكذا تصل العلاقة بين الخصمين اللدودين إلى توظيف أهم قضية وطنية على مستوى حركة فتح توظيفا قصير النظر.
عملية قتل عرفات بسم كيمياوي هي جريمة العصر، ومن حق أبناء الوطن الفلسطيني الذين يتهمون العدو الصهيوني لامتلاكه بشكل منفرد هذه المادة القاتلة ولكنهم يبحثون عن اليد أو الأيدي المساعدة التي استغلت منصبها وأوصلت السم القاتل إلى حيث أردت دولة العدو.
إن لجنة عربية كما يطالب دحلان لن تحقق المطلوب، وإن لجنة من فتح كما هو معمول به الآن لم تحقق المطلوب، وعلى الرغم من قول عباس أنه يعرف القاتل، تقف اللجنة مكتوفة اليدين ، أمام أهم تصريح من أعلى مستوى في السلطة ، لذا فإن المطلوب من وجهة نظري هو لجنة وطنية فصائلية لا تخشى أحدا، ولا تخفي حقيقة، وهذه وحدها ربما تكون مؤهل جيدا وبقدر معقول للوصول إلى الحقيقة، وتحويل الملاسنات إلى وثائق وحقائق.
قضية عرفات ليست للمتاجرة، وليست للمزايدة والتهديد بها كلما جاء بمناسبة استشهاده السنوية. قضية عرفات هي قضية الوطن كل الوطن، والفصائل كل الفصائل، وهي ليست قضية عباس، أو دحلان، أو الطيراوي، ويجدر بالجميع ألّا يستغل هذه القضية لمصالح شخصية، وألّا يخفي الجريمة أيضا لمصالح تجارية.
يقال إن مجيئ هذه الشخصيات الكبيرة من جامعة الدول العربية يستهدف إلى جانب المشاركة في افتتاح متحف عرفات، الضغط على محمود عباس لمصالحة دحلان وفريقه، وتأجيل مؤتمر فتح السابع، وإحياء ما فشلت فيه الرباعية العربية، وهذا قول فيه قدر من الاحتمالات الصحيحة،ولكن هذه المصالحة ليست بالشيء المهم إمام التصريح الذي قال فيه الرئيس عباس من أنه يعرف من قتل عباس؟!، وهو بالتأكيد لا يعني إسرائيل، وإنما يعني الشريك لها في عملية الاغتيال والقتل، وهذا الأمر الآن مقدم وطنيا على غيره من الأعمال التي جاء من أجلها ثلاثتهم.
إن وضع الملف في سياقه القانوني خير للوطن من أن يبقى الملف ورقة سياسية في يد هذا أو ذاك، وأعتقد أن هناك قضايا كانت أشد تعقيدا من قصية اغتيال عرفات، وتم كشفها، ووضع النقاط فيها على الحروف من خلال سياق قانوني شفاف ونزيه. يجب نزع الملف من يد الأيدي السياسية التي تلعب به، وتتقاذفه تقاذف الكرة في الملاعب، ووضعه في يد القانون تحت إشراف كل الفصائل.