بقلم - د. يوسف رزقة
ملف الأسير ملف قيادة، وملف أمة، أو قل ينبغي له أن يكون كذلك، أما أنه ملف قيادة فهذا يذكرنا بتجربة رسول الله القائد الأول صلى الله عليه وسلم الذي امتنع عنه النوم ليلة أسر العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في يوم بدر، وحين وضع حديد القيد في قدميه، فقال صلى الله عليه وسلم اطلقوا سراح العباس، وكررها مرارا، حتى أطلق سراحه بفداء معلوم، فعندها نام صلى الله عليه وسلم. لذا قلت آنفا أن ملف الأسرى هو ملف قياده تعرف الواجب، وتتحمل المسئولية.
وفي تجربة القائد صلاح الدين الأيوبي ما يؤكد على هذه الحقيقة، فقد ذكر ابن شداد المؤرخ، أنه بعد حطين وتحرير بيت المقدس، انكسر جيش المسلمين في عكا ووقع ثلاثة آلاف منهم في الأسر، فعسكر صلاح الدين خارج أسوار عكا يعد الجيش لاستخلاص عكا والأسرى من الصليبيين بقيادة ريتشارد قلب الأسد بعد أن فشلت المفاوضات، حول الفداء والمبادلة، وكان رضي الله عنه يدور حول أسوار عمل ويبكي بكاء الأم الثكلى كما يقول ابن شداد من أجل الأسرى ، حتى جاءه خبر مقتلهم جميعا، فأجهش بالبكاء، واعتذر لله، وأقسم على الثأر.
من هاتين التجربتين ندرك أن ملف الأسرى هو ملف قيادة بالدرجة الأولى، لأن القيادة هي من أرسلتهم لميدان القتال، وهي المسئولة عن سلامتهم.
القائد هو من يملك قرار الفداء، أو قرار الحرب من أجل تحريرهم، ولا يجوز له شرعا ان يتقاعس عن العمل من أجل إطلاق سراحهم، وهذا ما يميز حركة حماس حيث لا تنام قيادتها عن ملف الأسرى، لا في يوم الأسير العالمي ولا في بقية أيام السنة، لذا تجد قلوب الأسرى معلقة بحركة حماس.
وأما أن ملف الأسرى هو ملف أمة، فقد قال بهذا جمهور الفقهاء المسلمين قديما وحديثا، حين أوجبوا على الحاكم وولي الأمر أنفاق كل مال بيت المسلمين من أجل فداء الأسرى، فإن لم يف مال بيت المسلمين بالمطلوب أخذ من مال الخاصة من الأفراد والشعب، واستكمل به العجز من أجل تحرير الأسرى، فإن فشل المال في التحرير وجب عليه استخدام الجيش وخوض معركة التحرير بالقوة المسلحة، وهنا يكون للعلماء دور في بناء الرأي العام الذي يلتف حول قضية الأسرى، ويجدر بالإعلام أن يشارك في بناء الرأي العام المساند للقائد في حربه، أو في الفداء
إنه حين نلفت الانتباه إلى أن ملف الأسرى هو ملف ( أمة وقيادة) فإني لا أعني الفلسطيني فحسب، بل الأمة العربية والإسلامية، لأن الأسير كان يدافع قبل أسره عن كرامة أمة وعن دين أمة، ولا يعمل لنفسه، ومن ثم لا يجوز لقائد حي أن يهمل ملف الأسرى، أو أن يتحول به نحو الخطابة والاستنكار فقط. إن اليوم السنوي للأسير يوجب علينا أن نذكر بهذه القواعد والبدهيات، عسى أن تجد لنفسها طريق نحو التطبيق، مع علمنا المسبق أن قيادة السلطة لا تكاد تعمل شيئا للأسرى وتقف عند النظرية، والشجب والاستنكار الباردين.