بقلم د. يوسف رزقة
أمس الثلاثاء احتفلت وزارة الداخلية بغزة بذكرى حرب الفرقان ٢٠٠٨م. الاحتفال بالذكرى يهدف إلى تخليد ذكرى شهداء الحرب عامة، وشهداء الأجهزة الأمنية والشرطية خاصة. لقد تعمد طائرات العدو بقصف المواقع الأمنية والشرطية في ساعة الذروة، لكي توقع أكبر خسائر ممكنة في الأرواح، ولكي تحقق مبدأ الصدمة الموجعة التي يمكنها أن تفقد القيادة القدرة على السيطرة والتحكم.
نعم، كان عدد الشهداء كبيرا في الضربة الأولى المفاجئة، وكانت أعداد الجرحى أكبر، ولكن قيادة الأجهزة الأمنية، والقسام، والمقاومة لم تفقد القدرة على السيطرة والتحكم، فبعد ساعات قليلة تمكنت هذه المكونات من امتصاص الصدمة و الضربة الجوية التي قامت بها أكثر من ستين طائرة مقاتلة، ثم بدأت بالرد الصاروخي والهاون على العدوان.
كانت حرب الفرقان في التسمية الفلسطينية، وحرب رصاص مصبوب في التسمية الصهيونية، حربا عدوانية موسعة بدأها العدو عن عمد وقصد، استهدف إيقاع أكبر خسائر ممكنة في صفوف الفلسطينيين، ولكن القوات البرية لم تستطع التقدم إلى داخل الأراضي الفلسطينية بسبب عنف المقاومة وبسالتها في الدفاع عن مواقعها.
لقد كشفت الحرب الموسعة عن غدر العدو الذي بدأ القتال بصورة مفاجئة، وكشفت عن ضعف النظام العربي في مواجهة هذا العدوان ونصرة سكان غزة، وكشفت أيضا عن معرفة مصر المسبق بهذه الحرب، وهو ما أوجع الفلسطينيين بشكل كبير، وكشفت الحرب عن موقف سلبي جدا للسلطة الفلسطينية في رام الله، وعدم قدرتها على استغلال هذا العدوان للمطالبة بحماية دولية للسكان.
نحن الآن على مسافة ثمان سنوات من حرب الفرقان، واربع سنوات من حرب حجارة السجيل، وسنتين من حرب العصف المأكول، وقد هدفت هذه الحروب الثلاثة هزيمة غزة، وكسر شوكة المقاومة وحماس، واستعادة الردع الإسرائيلي المتآكل، وإسقاط حكم حماس، ولكن هذه الأهداف لم تتحق أبدا، وبدت غزة بعد هذه الحروب الموسعة أكثر تماسكا، وأكثر تفهما لطرق مقاومة العدو، وتمكنت من تطوير نفسها رغم الحصار الخانق.
ما زال الشعب الفلسطيني متمسكا بخيار المقاومة حيثما وجد، وما زالت غزة تعيش ذكريات الحروب الموسعة، وهي تشعر أن العدو قد يفاجئها بحرب جديد عند أدنى ملابسة، لذا تجد المقاومة في سباق مع الزمن من أجل الإعداد للدفاع عن نفسها وعن الشعب، بحيث تمنع العدو من تحقيق أهدافه، وتجعل ثمن الحرب باهظا كي يفكر ألف مرة قبل أن يتخذ قرار الحرب الموسعة على غزة.
نعم، غزة تنعم الآن بالهدوء في ضوء التهدئة غير المعلنة، وهي لا تسعى للحرب، ولكن هذا الهدوء يتعرض بين الفينة والأخرى لتهديدات ليبرمان وغيره من قادة العدو، لذا فإنه لمن المحظور على المقاومة أن تغمض عينيها، وأن تركن ولو قليلا لحال الهدوء والتهدئة.