بقلم : د. يوسف رزقة
حين أطلق العرب مبادرتهم لحل الصراع العربي الإسرائيلي، كان الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة هو الركن الأول والأساس في المبادرة.
اليوم مضى عقد ونصف تقريبًا على إطلاق المبادرة العربية. في هذه الفترة الطويلة أهملت دولة الاحتلال المبادرة، رغم أنها تشتمل على إغراء بالاعتراف والتطبيع بعد الانسحاب
في هذه الفترة الطويلة جرت مياه كثيرة تحت جسر المبادرة العربية. دولة الاحتلال رفضت التعامل مع المبادرة العربية لأنها ترفض الإنسحاب من الأراضي المحتلة في عام ١٩٦٧م. فـ(إسرائيل) ترفض الانسحاب من القدس ومن الأغوار، وتطالب أميركا بالاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان، لذا يمكن القول بأنه ثمة تباعد إستراتيجي بين الرؤية العربية، كما سطرتها المبادرة العربية وبين الرؤية الإسرائيلية
قلنا إنه خلال عقد ونصف جرت أمور كثيرة تركت آثارها على ما يمكن تسميته رؤية الأطراف للحل السياسي، ومن هذه الأمور التي جرت في الفترة الزمنية المشار إليها، انتكاسة الربيع العربي، وانفجار صراعات داخل دول عربية عديدة ومنها العراق وسوريا، إضافة إلى ظهور تنظيم الدولة، وتحول السياسة العربية والدولية للحرب ضد الإرهاب، إضافة إلى تفاقم الأزمة الإيرانية مع الخليج من ناحية، ومع (إسرائيل) من ناحية ثانية، الأمر الذي أوجد مصالح مشتركة بين دول عربية (وإسرائيل)، وقد عزز وجود ترامب الرئيس الأميركي في البيت الأبيض دور هذه الأطراف في مواجهة الخطر الإيراني، وخطر الإرهاب أيضا
في ظل هذه المتغيرات العميقة تراجع ما يسمى بحل الدولتين، لدرجة يمكن القول بأنه أصبح جزءا من الماضي، وأخذ يتقدم الطرح الإسرائيلي ما يمكن تسميته بالحل متعدد الأطراف، بحيث يصبح التطبيع مع الدول العربية المعتدلة هو الأساس والجوهر، وأخذ الإعلام العبري يتحدث عن تقارب حقيقي غير معلن مع دول عربية سنية معتدلة، تكون (إسرائيل) جزءا منه بعد أن ثبت لهذه الدول أن (إسرائيل) ليست عدوا، وليست خطرا، وأن الخطر يكمن في الإرهاب وفي تدخلات إيران وتهديداتها. وبتنا نقرأ، في وسائل الإعلام الجديد تغريدات تقول: (سعوديون مع التطبيع؟!) ونحن نعلم أن الشعب السعودي والشعوب العربية هي ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وهي ضد التطبيع بالفطرة، والسياسة أيضا.
نعم هناك محاولات تحاول تغيير الرأي العام في الخليج، والتأثير على المزاج الشعبي المؤيد للقضية الفلسطينية والرافض لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، وهذه المحاولات لن تنجح في تحقيق أهدافها، وسيبقى الخليج داعما للقضية الفلسطينية، ولمقاومة المحتل، رغم أنف دعاة التطبيع. ونعلم أن مصر والأردن هما مع قيام الدولة الفلسطينية، وليستا مع ما يسمى بالكونفدرالية.