بقلم : د. يوسف رزقة
يبدو أن الأزمة بين تركيا،وألمانيا، وهولندا، والنمسا، والدانمرك، ذاهبة باتجاه التصعيد، وذات تأثير على رسم السياسات المقبلة لهذه الدول مع تركيا. هولندا رفضت زيارة وزير الخارجية التركي، وقامت بترحيل وزيرة الأسرة والعلاقات الإجتماعية التركية بعد وصولها للعاصمة الهولندية برا قادمة من ألمانيا؟! ال٢متظاهرون في أنقرة احتلوا القنصلية الهولندية ورفعوا عليها علم تركيا تعبيرا عن الاحتجاج ضد سياسة هولندا. الدانمرك طلبت من وزير الخارجية التركي تأجيل زيارته .
خلفية الأزمة تتراوح بين السياسة، والوقوف ضد طموحات أردوغان. يسعى أردوغان لإجراء استفتاء حول الانتقال إلى النظام الرئاسي في بلده، مما يعزز موقفه في الحكم. الجاليات التركية المؤيدة لأردوغان في هذه البلاد تعقد اجتماعات عامة وتدعو اليها مسئولين في الحكومة لحشد التأييد لسياسة أردوغان. السلطات الألمانية والهولندية منعت قيادات تركية حكومية وحزبية من لقاء هذه التجمعات والخطبة فيها
الخارجية التركية فسرت هذه المواقف بالعدائية والنازية، وأنها تأتي لصالح جماعة غولن، بينما يرى بعض المحللين إن الأزمة بدإت مبكرا بعد فشل الانقلاب العسكري ضد أردوغان، واتهام أردوغان لقوى أوربية وأميركية بالوقوف مع الانقلاب الفاشل.
حين استبد الغضب بأردوغان من الموقف الألماني والهولندي وصف سياسة البلدين بالنازية مما آثار حفيظة القيادتين في ألمانيا وهولندا.
المواقف الأوربية هذه يمكن النظر إليها من خلال معادلة ( رب ضارة نافعة)، حيث تستطيع تركيا تحديد أصدقائها بناء على هذه التجربة، التي تحمل عداء مبطنا للسياسة التركية التي يقودها أردوغان، ووزير خارجيته. الآن تستطيع تركيا وضع محددات جديدة لسياستها الخارجية بحسب هذه المعطيات، التي كانت تتسم بالنفاق. الآن الأمور واضحة، ولا مجال للنفاق البتة.
من المعلوم أن تركيا تعد في أوربا مجتمعا إسلاميا، لا مجتمعا مسيحيا، وهو مجتمع مثقل بتراث الماضي زمن العثمانيين، لذا تجد بعض السياسيين يفسرون هذه الأزمة السياسية بالمورث الحضاري للعلاقات بين الغرب والدولة التركية، وهو تفسير يمكن قبوله، لا سيما بعد الاتهامات المتناثرة التي تتهم أردوغان بمحاولة إحياء العثمانية الجديدة.
تركيا مجتمع مسلم، وحكومة علمانية، بينهما تصالح لا تجده خارج تركيا في البلاد العربية مثلا، وتركيا ليست في حاجة للمساعدات أوربية، فلديها فائض مالي كبير، وهي بلا ديون خارجية البتة، وحاولت عشرات السنين لدخول الاتحاد الأوربي ولكن محاولاتها فشلت بسبب أن مجتمعها مجتمع مسلم وليس مجتمعا مسيحيا، الأمر الذي يفرض على تركيا البحث في البدائل، وإقامة علاقات متوازنة مع روسيا والصين، والبحث عن أسواق في البلاد العربية والإفريقية، وقد نجحت في ذلك نجاحا كبيرا.
الأزمة مع تركيا وهذه البلدان ستتراجع لتقف في الخلف بعد انتهاء الاستفتاء على النظام الرئاسي المتوقع أن يحصل على أغلبية الأصوات، ولكن يبقى النفاق قائما في خلفية السياسات الخارجية.