د. يوسف رزقة
أبدى موسى أبو مرزوق القيادي في حركة حماس عن تخوفه أن تتحول التحريضات الإعلامية المصرية الصفيقة على حماس وغزة، إلى عملية عسكرية ضد غزة، على نحو قصف الطيران الذي تعرضت له ليبيا مؤخراً.
قد يبدو العدوان على غزة ضربا من المستحيل، لأنه يخالف المنطق والعقل، غير أن عالمنا العربي يمتلئ بما يخالف العقل والمنطق، فمن كان يتوقع يوما هذه الحالة المأساوية في عالمنا العربي. من كان يتوقع أن يأتي يوما تفتخر به اسرائيل بتحالفها الجديد مع أنظمة الدول العربية المعتدلة ضد مقاومة الشعب الفلسطيني، ومن كان يتوقع أن يصرح الإعلام العبري بأسماء هذه الدول واحدة واحدة، فيذكر مصر والأردن والسعودية والإمارات، دون أن يستمع لنفي من واحدة من هذه الدول؟!
من كان يتوقع أن يقاتل العرب العرب على هذا النحو في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا ، ولا تجد أحدا منهم يقاتل إسرائيل، أو يعمل ضدها؟! من كان يتوقع أن تقدم دولة عربية مشروع قرار ضد دولة عربية أخرى في مجلس الأمن تحت الباب السابع من ميثاق مجلس الأمن الذي يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد ليبيا، بينما لم تجرؤ عاصمة عربية واحدة على تقديم مشروع قرار ضد اسرائيل تحت الباب السابع، على ما قامت به إسرائيل من أعمال قتل إجرامية ضد الفلسطينيين، وضد العرب، وهي بالعد والإحصاء أضعاف أضعاف ما حصل في ليبيا مثلا؟!
واقع الأنظمة العربية الحالي ليس له قياس، ولا يحتكم إلى معايير محددة، ففي كل يوم نفاجأ بما هو خارج على القياس، وبما هو متمرد على المعايير المحددة. ثمة دول عربية تتهم دولا عربية أخرى برعاية الإرهاب، بينما ترفض دولا غربية هذه التهمة، وتراها تقوم على عداوة شخصية؟! بينما تقف دولا عربية أخرى متلجلجة ، لا تستطيع تحديد موقفها من هذا التجديف المفسد للعلاقات العربية العربية؟!
إن اطلاع أبو مرزوق على هذا الواقع المرير جعله، ومعه حق في ذلك، أن يتخوف من تحول التجديفات الإعلامية الرخيصة في الإعلام المصري، إلى ضربات جوية ضد قطاع غزة. مع أننا لا نتمنى ذلك لنا ولا لمصر ، لأن تداعيات عمل كهذا لا سمح الله لا يمكن احتمالها لا عربيا، ولا مصريا، لأنها في النهاية تصب في مصالح إسرائيل، ولأنها تخالف تاريخ مصر ومواقفها وحضارتها.
غزة التي تعاني من حصار شديد، ومن إغلاق معبر رفح إغلاقا شبه تام، وتعاني من عدوان إسرائيل المتكرر عليها، لا تجد مبررا واحدا لأدنى تدخل مصري في شئون غزة الداخلية، فقيادات غزة قدمت لمصر ما هو مطلوب منها، وما هو فوق المطلوب منها، وحدود مصر مع غزة آمنة مائة في المائة، وثمة توافق وطني فلسطيني في غزة باعتزال الخلافات المصرية الداخلية، والعمل مع من يحكم مصر من أجل تسهيل حياة السكان في غزة.
غزة هذه بتوافقتها وسياساتها تطالب السلطات المصرية بإسكات الإعلاميين الكذبة، ومراعاة مصالح سكان قطاع غزة، وقطع الألسنة التي تشعل الفتنة ونار الحرب بلا مبرر.