د. يوسف رزقة
لا أعرف كثيرا عن ( كوباني) أو عين العرب، بالعربية. ولا يعرف عنها الفلسطينيون والعرب كثيرا. لقد زرت سوريا عدة مرات ولم يحدثني أحد عن كوباني. لقد سمعت بها لأول مرة قبل أقل من شهرين. عندما سمعت بها فجأة في الإعلام عرفت أنها مدينة سورية حدودية مع تركيا، وتسكنها قبائل وعوائل كردية، وهم يؤمنون أنها جزء من بلاد كردستان التي يحلمون أن يقيموا عليها دولتهم. ً
السبب المباشر لهذه المعرفة المفاجئة تكمن في محاولة تنظيم الدولة الإسلامية الاستيلاء عليها، وعندها أقامت أميركا ودولا عربية وغربية تحالفا من أكثر من خمسين دولة لقتال تنظيم الدولة، ومنع احتلاله لكوباني. من ساعتها عرفت أن كوباني تقع في فقه الخليج، وثقافة العرب من المحيط إلى الخليج موقعا متقدما، يتفوق على موقع القدس، والأقصى، وغزة، والخليل ونابلس وغيرها من مدن بلادنا فلسطين.
في مقابل جهلي وجهل غيري بوك باني، فإني أعرف القدس، وأعرف الأقصى، وغزة ونابلس، ويعرف القدس كل العرب والمسلمين في البلاد والعواصم قاطبة. كلهم يعرفها بالمسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكل الكرة الأرضية تعرف أنها مدينة فلسطينية محتلة، وأن الاحتلال الصهيوني يغير معالمها يوميا بالاستيطان والتهويد، ويقتل ويطرد أهلها، ولكن العواصم العربية والاسلامية المبجلة غادرت محنة القدس لتهتم بمحنة كوباني.
لم تبادر العواصم العربية الثرية إلى صناعة تحالف لاستنقاذ القدس والأقصى، لأن من يحتل الأقصى هم اليهود، واليهود ليسو خطرا على أحد؟! الخطر قادم من تنظيم الدولة، الذي لا نعرف حقيقته وماهيته جيدا، وهنا يصح لي أن أقول ربما لو أحتل تنظيم الدولة القدس لأنشأ العرب والعجم له تحالفا عسكريا لضربه، وهزيمته، واستنقاذها القدس والأقصى منه، أما وأن اليهود هم من يحتلون القدس ويعودون الأقصى، ويدنسون المسرى، فلا خطر منهم أبدا، فهم جار طيب؟!
كوباني باتت في عواصم عربية مشاركة في التحالف بالمال والسلاح والرجال قدس الأقداس ؟! وتحرير المسجد الأقصى يمرّ من كوباني ؟! إن تحرير كوباني من تنظيم الدولة عند العرب المعتدلين، والمسلمين المعتدلين، هو ضرب من الإيمان، وجزء من العقيدة، وهو كفاح شرعي ضد الإرهاب ، ومن أجله تدبج الفتاوى، وتنفق الأموال، و يستنصر الاعلام بكل خبير ومحلل، بينما القدس لا بواكي لها، ولا مال لها، ولا طائرات تطير في سمائها. أنا لست ضد كوباني، ولا ضد الأكراد، ولكنني أحب القدس، وأقدم المسجد الأقصى على كوباني، وأرى أن تحرير بلاد العرب كلها يمرّ أولا بالقدس.
قال مظفر النواب الشاعر العراقي الثائر للحكام العرب: القدس عروس عروبتكم، فلماذا أدخلتم كل زناة الأرض إلى حجرتها؟! هذا ما قاله مظفر النواب قديما، أما ما يقوله( المظفرون ) في عواصم القرار السياسي اليوم فهو قول مختلف تماماً. هم ربما قالوا ( كوباني ) عروس بلاد العرب ، والقتال فيها أوجب من القتال في القدس، وفيه يحلّ بذل المال وإهراق الدم. أما القدس فمسألة فيها نظر؟!.