د. يوسف رزقة
انتهت أعمال مؤتمر المانحين لإعادة إعمار غزة المنعقد في القاهرة في ١٢/١٠/٢٠١٤ برعاية مشتركة للنرويج ومصر، وبلغت التعهدات المالية للأعضاء ب (5.4) مليار دولار. هذه النهاية جيدة لغزة على مستوى إعادة الإعمار، وهي لا شك تبعث على التفاؤل، لا سيما وأن كلمة وزير الخرجية الأميركي جون كيري تحدثت عن الحاجة الى سرعة التنفيذ، وأن الحاجة ملحة الآن. وكان بان كي مون قد أكد على الحاجة الملحة العاجلة، وحذر العالم بالقول إن المنطقة ما زالت قابلة للاشتعال من جديد. ونحن إذ نتأمل خيرا في هذه المسألة نود أن نسجل بعض الملاحظات :
أولا- إن اسرائيل التي لا تحضر المؤتمر، باعتبارها هي الدولة المعتدية الغاشمة التي ارتكبت جرائم التدمير غير المبرر في الضمير الجمعي الدولي، حرصت أن تستبق المؤتمر برسالة قبل ساعات من انعقاده، أكدت فيها أن من يقرر الإعمار هو من على الأرض، وليست المؤتمرات، وقال عاموس جلعاد نحن من على الأرض ونحن من نقرر؟! وهذه رسالة سلبية، تحمل إشارة الى شروط إسرائيل في مسألة إعادة الإعمار. ونحن نعلم مسبقا أن اسرائيل تتخذ من حاجة غزة للإعمار العاجل أداة ابتزاز سياسية، ومن ثمة فالقلق باق حتى نرى الميدان ؟!
ثانيا- لم تكن تعهدات دول الاتحاد الأوربي والخليج العربي، كبيرة وكريمة بما يكفي، إذا استثنيا قطر.( فالكويت، والإمارات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا ، وفرنسا، وإيرلندا، واليونان، واميركا معا) تعهدت ب ( ٧٤٧) مليون دولار، وهو مبلغ لا يدل على تعاطف كبير مع غزة وفلسطين، إذا وازنا تبرع هذه الدول هنا بتبرعاتها في مواطن أخرى لا تخفى على القارئ.
ثالثا- ثمة مفارقة حقيقية تحكيها المرات السابقة بين التعهدات في المؤتمرات، وبين تنفيذ التعهدات في الميدان، ونحن نتذكر بأسف مؤتمر شرم الشيخ الذي قدم تعهدات بقيمة (5.5) مليار دولار في ٢٠٠٩ ولم يصل منها شيء الى غزة. حين نتذكر نتأمل ألّا تتكرر هذه المفارقة المؤلمة لآن جراحات غزة كبيرة، ويبدو تحذير بان كي مون حول اشتعال المنطقة ثانية في محله، إذا ما تعرقلت اعمال الإعمار بسبب عدم الوفاء بالتعهدات، أو بسبب تعنت اسرائيل وبشروطها المجحفة.
رابعا- لقد دمرت اسرائيل ما لايقل عن (٨٠) ألف وحدة سكنية في ثلاث حروب على غزة في (٦) سنوات بدون مبرر عسكري يستوجب التدمير، لأن جلّ التدمير كان عقابا متعمدا لغزة لا ردا على اعمال عسكرية، ولم يلزم المجتمع الدولي اسرائيل بتحمل المسئولية ، ولم يجبرها على إعادة إعمار ما دمرته وتحمل تكلفة هذا الإعمار ، وفي هذا إغراء لاسرائيل للعودة الى التدمير مرة أخرى إذا ما عاد القتال مع غزة مرة أخرى. إن إلزام اسرائيل بتكلفة ما دمره طيرانها كليا أو جزئيا، ربما يساعد في عدم عودتها الى هذه الجرائم العقابية للمدنيين بهذا الشكل الذي يحمل تحديا للعالم، وانتهاكا للقانون الدولي ، والمفاهيم الإنسانية.
لقد تابعت غزة أعمال المؤتمر، وهي تنتظر تسييل الأموال فورا، وبدء التنفيذ، عسى أن يصدق المجتمع الدولي هذه المرة، لأن في إعادة الإعمار ورفع الحصار عوامل أساسية في تحقيق الاستقرار، الى أن يزول الاحتلال كاملا عن الأرض الفلسطينية المحتلة ، لأن بقاء الاحتلال هو الوصفة الخطرة لبقاء التدمير والهدم لكل ما تبنيه غزة وفلسطين.