د. يوسف رزقة
أكد رئيس السلطة محمود عباس مؤخرًا استعداده للعودة إلى المفاوضات مع نتنياهو بدون شروط مسبقة؟! هذا التأكيد أثار دهشة في بعض الصحف العبرية، وجعلها تتساءل: لماذا الآن ؟! لماذا لم يعلن عباس عن هذا الموقف قبل ستة أشهر، أو قبل الانتخابات بشهر مثلا؟! هل يريد المناورة و عرقلة عمل نتنياهو في تشكيل حكومة من أحزاب اليمين الإسرائيلي، على قاعدة أن أحزاب اليمين ترفض المفاوضات وحل الدولتين؟! وبعبارة ثانية، هل يرغب عباس بحكومة إسرائيلية يشارك فيها المعسكر الصهيوني ( ليفني وهورتسوك) ، حيث لم يصدر عنهما رفض لخيار حل الدولتين ؟!
هذه مجموعة من الأسئلة والاستفسارات التحليلية التي أثارتها الصحف العبرية. أما الدهشة والاستهجان اللذان تتناولهما وسائل إعلام فلسطينية، وقيادات فصائلية، فتنبع من استهجانهم لفشل عباس في قراءة تصريحات نتنياهو الأخيرة قراءة موضوعية وجادة. القراءة الوطنية الجادة والموضوعية تقول لقد أنهى نتنياهو المفاوضات بصفر كبير، وأعلن عن فشل مشروع حلّ الدولتين، وأنه لم يعد ملتزما بهذا الحل، وأنه لا يمكن السماح بقيام دولة فلسطينية في هذه البيئة لأنها ستنتهي إلى دولة تسيطر عليها (داعش)؟!
وهنا يتساءل الفلسطينيون: هل ثمة فرصة باقية أمام المفاوضين وحل الدولتين بعد هذه التصريحات ؟! لقد أدركت الإدارة الأمريكية خطر تصريحات نتنياهو، وأعلنت أنها لا تستطيع مواصلة العمل في مفاوضات محكومة نهايتها بالفشل مسبقا. لذا لا نجد طرحا جديدا للإدارة الأميركية، ولا ثقة لإدارة أوباما في نتنياهو. وعليه، من حق كل فلسطيني يعمل لوطنه أن يسأل عباس قائلا له: على أي معطيات موضوعية يؤكد عباس استعداده للعودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة؟! في مثل هذه الظروف المثيرة للشك والريبة تكون الشروط الواضحة هي المدخل وهي قاعدة العمل. إن تأكيدات عباس على العودة إلى المفاوضات بدون شروط، هي تأكيدات تحكي العجز الذاتي في الاختيارات ؟! وهي تعني عجزا موضوعيا يحكي غياب البدائل أمام عباس؟!
نحن لا نفتري ولا نبالغ، ولا نغالي، حين نقول إن رئيس السلطة لا يملك بدائل للمفاوضات، ولا يملك إرادة البحث عن البدائل، وهو أعجز إذا فكر في شروط للمفاوضات؟!. عباس يسير منذ عقدين في اتجاه واحد، وهو يواصل المسير في الاتجاه نفسه، رغم الإشارات الفسفورية الضخمة التي تقول له إن الطريق مغلق، وأنه لا جدوى من العودة إلى نتنياهو ؟!
لقد تحدث نتنياهو، وعريقات، كثيرا عن تدويل الحلّ، من خلال مجلس الأمن، ومن خلال غيره أيضا، ولكن لا توجد خطوة ناجحة في هذا المشروع، ولا توجد خطة وطنية له، وإنما حديث إعلامي تناقضه تأكيدات عباس الأخيرة بالعودة إلى فتات مائدة نتنياهو. في ظل هذه الحالة المضطربة لا ينبغي أن يتفرد عباس بالقرار، ولا بد من شراكة وطنية حقيقية لإنقاذ القرار الفلسطيني من الاضطراب، وتخليصه من التناقضات. وربما نحن الآن في حاجة حقيقية لتجديد الشرعيات من خلال انتخابات شفافة ونزيهة، ومن ثمة تجديد الهيكليات، وتفعيل مكونات النظام الفلسطيني.