د. يوسف رزقة
( إسرائيل كانت محقة في ضرب غزة في الصيف الماضي؟!). هذا القول لديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا. التصريح مثير للأعصاب، لأنه يعبر عن انحياز عنصري من ناحية، ويفتقر للأخلاق من ناحية أخرى.
لقد أجمعت مؤسسات حقوق الإنسان في العالم على أن ما حصل ضد غزة في الصيف كان (عدوانا)، وكانت فيه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وما زالت المظاهر الدالة على هذه الجرائم قائمة، وأشرطة الفيديو التي تصور قتل المدنين، من الأطفال والنساء مشفوعة بالأرقام و بالإحصاءات والنسب تغطي مساحة واسعة في وسائل الإعلام الجديد، وبعض هذه الأشرطة منتجة من جهات محايدة، ومهنية، إضافة إلى الصور التي تقدم شرحا وفيا إلى جرائم هدم المنازل، والمؤسسات، والمساجد، والجامعات، ومدارس الأنروا.
هذه البيانات وغيرها. كل هذه لم تمنع كاميرون من بيان غبائه السياسي، والتعبير عن موقفه العنصري، في تصريحه المجحف الذي يبرر فيه عدوان إسرائيل على غزة المحاصرة، ومن ثمة يعطي العدوان الصهيوني شهادة حسن سلوك يبرر فيها عدوانها على غزة؟! .
إن كل عملية قتل تقوم بها دولة الاحتلال والعدوان الصهيوني للمملكة البريطانية كِفل منها، لأن بريطانيا هي الجهة التي أسست لوجود إسرائيل في المنطقة، وعلى حساب الشعب الفلسطيني ،الذي كان خاضعا لدولة الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية. ومن ثمة فإن شهادة كاميرون شهادة مجروحة لأنها شهادة قادمة من بريطانيا التي أجرمت بحق الشعب الفلسطيني كله.
لقد تمادى كاميرون في تصريحه، وتجاوز حدود الأدب، لأن في تصريحه استخفاف بالدماء الفلسطينية، وبحقوق ضحايا العدوان، وهو فيما يبدو لا يقيم وزنا للسلطة الفلسطينية، التي تقف عاجزة أمام هذه التصريحات حيث لم تبادر بتقديم احتجاج رسمي على هذه التصريحات التي تبرر العدوان. قيادة السلطة مشغولة بالمناكفات الداخلية، ووزير الخارجية غائب عن غزة تماما إن لم يكن معاديا لمقاومتها .
ومن المؤسف في الوقت نفسه ألّا تعقب حماس والجهاد الأسلامي وغيرهما من الفصائل على هذا التصريح العنصري، الذي يبرر القتل والعدوان، ويتنكر لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال؟! المقاومة حق قررته الشرعية الدولية للدول التي ترزح تحت الاحتلال ، بينما تزعم بريطانيا من خلال عضويتها الدئمة أنها تحمي السلم و الاستقرار، وتدافع عن حقوق الإنسان والشعوب الضعيفة.
نعم ، لا أحد من أبناء فلسطين يثق في بريطانيا، لأن بريطانيا( بلفور) هي التي أسست للنكبة الفلسطينية. هذا صحيح ، ومع ذلك لا ينبغي للقيادات الفلسطينية وبالذات المقاومة أن تهمل الرد على هذا التصريح وعلى أمثاله من التصريحات ، التي تصدر عن هذه الدولة التي أجرمت قياداتها المتوالية بحق الشعب الفلسطيني، وما زالت تواصل تنكرها لحقوقه في الحرية والعودة وتقرير المصير. لا ينبغي السماح لكميرون وغيره أن يستخف بالحقوق الفلسطينية، وينبغي تعرية موقفه العنصري والانتهازي الذي يبحث عن المال اليهودي، والصوت الانتخابي اليهودي في الانتخابات البريطانية القادمة.