د. يوسف رزقة
فاز حزب العدالة والتنمية المغربي ، وهو من الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية بالمرتبة الأولى في الانتخابات ( الجهوية)، وبالمرتبة الثالثة في انتخابات البلديات. الانتخابات البلدية والجهوية هي تمهيد للانتخابات البرلمانية القادمة. لقد أنجزت المغرب الانتخابات بسلام وأمن وشفافية. وقدم المغرب درسا عربيا في العمل الديمقراطي تحت رعاية ملكية ذكية، نفت بتصرفها الملكي الديمقراطي ما توصف به عادة الملكيات من استبداد واستئثار وقمع وإقصاء.
درس المغرب، كدرس تونس، كلاهما جدير بالمناقشة، وبالاهتمام، إذ تكاد الدولتان أن تكونا الوحيدتين التي نجح فيهما الربيع العربي في ٢٠١١م نجاحا نسبيا. البلدان نجيا من قبضة الثورة المضادة، التي اتسمت بديكتاتورية العسكر، وبعودة الدولة العميقة المتسلطة، بوجه أكثر استبداد وقمعا.
هل يرجع نجاح الربيع العربي في الدولتين،( وإن كان النجاح نسبيا) ، إلى وعي الأحزاب السياسية، أم إلى ثقافة الشعب ووعيه، أم إلى ضعف قبضة العسكر، أم إلى حكمة الملك في المغرب، وحكمة النهضة في تونس؟! هذه الأسئلة الاستفسارية جديرة بالمقاربة السياسية في ورشة عمل جامعة في غزة تقوم عليها فصائل العمل الوطني والإسلامي، أو تتعاون على إنجازها مراكز أبحاث، أو تتولاها جريدة فلسطين.
في درس المشرق العربي سال الدم من الربيع العربي جداولا في مصر وسوريا واليمن، وما زال الدم يسيل، وما زال الهدم يتوالى، وقد امتد (عار المشرق) ليصل مع المهاجرين السوريين إلى المجر، والنمسا وألمانيا، حيث سجل التاريخ أكبر حالة هجرة جماعية بعد الحرب العالمية الثانية، وأكبر حالة موت غرقا في البحر منذ التاريخ المذكور؟! وسجلت المحاكم المصرية أكثر حالات الإعدام عددا في العالم في فترة شهر، أو سنة، أوبضع سنين، دون أن تحوز هذه الأحكام على أدنى تقبل من العالم الحر لها، لأنها أحكام سياسية تفتقر إلى الأدلة القانونية المعتبرة التي تبرر صدورها.
درس بلاد المشرق العربي كان دمويا، ملطخا بالأحمر القاني، وكان كشفا عن الدولة العميقة ونفوذها، واستبدادها، وخوف الشعب من مواجهتها، مع فساد أحزاب المشرق وتقبلهم العيش على فتات الاستبداد، رفضا للإسلام، ولسان حالهم يقول frown emoticon نار العسكر والدولة العميقة، ولا جنة الحركات الإسلامية ولإخوان؟!). بينما كان درس المغرب العربي درسا مدنيا، وحضاريا، بلا دماء، ولا هدم، ولا إقصاء، بل انتخابات، وصندوق اقتراع، وتدول سلمي للسلطة بإشراف الملك نفسه، بعد تنازله عن بعض صلاحياته.
درس المغرب درس البناء المتدرج للديمقراطية العربية. ودرس المستقبل المتسامح مع الماضي شرط الالتزام بقواعد التغيير الجديد، والبعد عن الدم والسلاح والاستبداد. نجحت المغرب، ونجحت تونس، والنجاح هنا نسبي، وبتقدير جيد جدا، وقد يصل إلى الممتاز لاحقا، ولكن لماذا نجحوا ولماذا فشل المشرق؟!