د. يوسف رزقة
الخبر الأول في وسائل الإعلام العربية والعالمية يدور حول التظاهرة الدولية ضد الإرهاب التي دعا لها الرئيس الفرنسي. خمسون من الزعماء شاركوا في التظاهرة في باريس. أبرز المشاركين الذين يثيرون اهتمامي كفلسطيني هما( نتنياهو وعباس). ولست أدري ما الذي جمع بينهما؟! هل هو حب فرنسا، واستقطاب الصوت الفرنسي؟! أم هو كراهية القتل، وكراهية هوية القاتلين؟! أم هو الدفاع عن حرية الرأي ، وحرية التعبير؟! وهذه أسئلة تحتاج لإجابة لأن المنطق العقلي يفترض أن الرجلين من حقلين مختلفين؟!
وقبل أن نبحث في الحقيقي، والمفترض، أقول: لقد كشفت التظاهرة الدولية الكبيرة، بمشاركة زعماء من خمسين دولة، أن الدم الفرنسي له ثمن مرتفع جدا؟! بينما لا ثمن للدم الفلسطيني والعربي والمسلم؟! في الشرق الأوسط لا ثمن للدماء التي تسفك بيد فرنسا وأميركا و(إسرائيل) والتحالف أيضا؟!.
وبعيدا عن الوضع الملتبس مع تنظيم الدولة، أقول لقد قتلت (إسرائيل) (٢٢٠٠) فلسطيني في حربها الأخيرة ( الجرف الصامد ) ثلثهم من الأطفال والنساء، ولم تدع فرنسا أو غيرها من دول الغرب إلى تظاهرة دولية ضد إرهاب الدولة، والقتل ؟! والحال في سوريا كالحال في غزة مع اختلاف القاتل، فلم تحظَ دماء سوريا بتظاهرة دولية لوقف سفك الدماء البريئة؟!
القادة في الغرب لا يساوون بين الدماء، ولا بين القتلى ؟! فعلى الرغم من خروج الجالية المسلمة في فرنسا في التظاهرة ضد القتل، بدعوى من قادة المسلمين هناك، وهذا جيد للجالية، غير أن الإعلام الدولي لا يتحدث إلا عن القتلى اليهود، والفرنسيين، ولا يذكر مقتل اثنين من المسلمين في الهجوم نفسه؟! هذه المفارقات تغذي عادة التشدد، لأن روح التفرقة العنصرية تسكنها بقوة.
نعود إلى نتنياهو وعباس. فالثاني لم يتظاهر هو، ولم يدعو غيره إلى مظاهرة دولية، أو حتى فصائلية، ضد العدوان الأخير على غزة، نصرة لدم أطفال غزة؟! والآن هو مشارك رئيس في التظاهرة تضامنا مع فرنسا؟! لست ضد تضامنه، ولكني أشعر أن أطفال غزة كانوا أحق بالتضامن وبمظاهرة دولية يدعو لها في رام الله؟!
أما الأول، أقصد نتنياهو، فهو يشارك في التظاهرة الدولية لأسباب منها: أنه يريد أن يستثمر الحدث لتعميق العداء الغربي ضد الإسلام والمسلمين، لا في الشرق الأوسط فحسب، بل وفي أوروبا، لذلك هو يتحدث عن مفهوم الإرهاب الإسلامي فقط في الغرب؟! ولا يتحدث إلا عن القتلى اليهود فقط، ولا يشير لمقتل بعض المسلمين؟!. والثاني أنه يريد أن يستثمر الحدث لجلب أكبر عدد من يهود فرنسا للهجرة إلى فلسطين المحتلة، باعتبار أن ( إسرائيل) دولة اليهود، وحصن الأمن والأمان لهم. والثالث أنه يريد أن يستثمر مشاركته في الدعاية الانتخابية له ولحزبه في انتخابات مارس القادم.
من الموازنة بين مشاركة الأول والثاني، تجد أن نتنياهو يتجاوز في مشاركته فكرة التضامن مع فرنسا إلى خدمة أهداف استراتيجية لدولته بعيدة المدى، ومنها إضافة لما تقدم نزع تهمة إرهاب الدولة عن حكومته. ولست أدري ما هي استراتيجية الثاني غير فكرة التضامن مع فرنسا بزعم أنها صديقة لفلسطين؟!
لقد سخرت بعض وسائل الإعلام الفرنسية نفسها من مشاركة زعامات دول متهمة بالإرهاب والقتل، وكيف تأتي لفرنسا للتظاهر ضد القتل، وأحسب أن مشاركة نتنياهو تستحق أكثر من سخرية؟! وسخرت أيضا من دعوة الرئيس الفرنسي نفسه للمظاهرة، لأن يد فرنسا ملطخة بالدماء في نظر الآخرين، واعتبرت أن الرئيس الفرنسي سرق ما هو حق من حقوق المجتمع المدني الفرنسي بالدعوة للتظاهر لاسترجاع شعبيته.
وفي الختام فإني أتوقع أن تكون هذه التظاهرة حجة غدا على الأنظمة الغربية، أكثر مما تكون حجة لها، وربما تكون سببا إضافيا لزيادة التشدد، بسبب ما يسكنها من عنصرية كاوية في باب الدماء، والأديان؟! والله أعلم.