د. يوسف رزقة
رحب رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي بنتائج التحقيقات التي أجرتها اللجنة التي كلفتها الحكومة البريطانية بإجراء تحقيقات في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، والتي انتهت الى تبرئة الإخوان من أي صلة بالإرهاب ، وأرجع الغنوشي ذلك الى أمرين : الأول - استقلالية وعدالة القضاء في بريطانيا، والآخر- معرفته الشخصية اليقينية بطبيعة دعوة الإخوان السلمية التي ترفض العنف والتشدد.
وأنا إذ أضم صوتي الى الغنوشي حول الطبيعة السلمية لدعوة الإخوان، فإني لا أنظر إلى هذه السلمية على أنها أقوى من الرصاص دائماً؟! . لأن المسالمة الدائمة في كل الأحوال ومع الجميع عيب، وتغري بالعدوان. فالسلمية كالحلم لا تصان إلا بالحزم والقوة، وإلا عدّ اللئيم الحلم ضعفا.
حين سئل البروفيسور محمد الجوادي عن تهمة العنف عند الإخوان، قال : يا ريت! . يا ريت عندهم عنف! لما وصلت مصر إلى هذا الحضيض. المشكلة أنهم يبالغون في السلمية، بينما تبالغ الدولة في قتلهم واعتقالهم وقمعهم.
وكيف تنجح السلمية في إسقاط انقلاب وحكم يؤمن بالقوة لا بالسلمية ، ولا يؤمن بالديمقراطية؟! السلمية دعوة نبيلة في مجتمع ديمقراطي تؤمن قواه السياسية، وأحزابه، والجيش، بالسلمية، والديمقراطية، وصندوق الانتخابات. فإذ تدخل الجيش بقوة السلاح للسيطرة على الحكم، وقهر الأحزاب والشعب، وشطب الديمقراطية بالسيادة، فإنه لا معنى عندها للسلمية، ولا للديمقراطية. هذا ما يقوله التاريخ، لا ما يقوله الجوادي.
إن تبرئة لجنة التحقيقات البريطانية مهمة جدا للإخوان في بريطانيا وفي كل مكان، في ظل تحالفات دولية وعربية تستهدف الإسلام ومنظماته بتهمة الإرهاب، لقتل الصحوة الاسلامية العالمية، ومنع تقدمها. وهي نتائج مهمة وذات مغزى في صفع العواصم العربية الغنية التي استخدمت نفوذها المالي، وغير المالي لدى بريطانيا لكي تضع الإخوان على قائمة الإرهاب. بريطانيا قررت تأجيل نشر نتائج التقرير خشية الإضرار بمصالحها في هذه الدول في هذا التوقيت.
لم تكن الحكومة البريطانية في حاجة الى إنشاء لجنة تحقيق أصلا لتصل الى الحقيقة التي تعرفها يقينا عن الإخوان منذ عشرات السنين ، ولكن عواصم عربية مؤثرة في مجال المال والنفط، كانت هي بحاجة لموقف بريطاني يدين الإخوان بالإرهاب ،أو يدينها بمساعدة جماعات ذات أنشطة إرهابية ، ليتسنى لها حظر أنشطة الإخوان في بريطانيا. وغفلت هذه العواصم عن طبيعة النظام والحريات في بريطانيا. الدول الشمولية فقط هي من تحظر الإخوان. وهي الدول عينها التي تتهمهم كذبا بالإرهاب.
الاخوان بحاجة إلى موازنة بين السلمية، وحق الدفاع عن النفس، لأن حق الدفاع ليس إرهابا. الإرهاب أن تقتل بريئا من أجل مصلحة سياسية لا تستحقها أنت بالأساليب الديمقراطية. الإخوان عاشوا قرنا إلا عقدا ونصف، ولم يرفعوا بندقية واحدة للدفاع عن النفس، حتى نظر اليهم الحكم العسكري، والخصوم، عادة ، على طول المدة نفسها ، على أنهم خراف يمكن أن تساق إلى الذبح، أو الحظيرة والسجن، بدون ردة فعل عنيفة.