د. يوسف رزقة
تحدثت وسائل الإعلام الفلسطينية كثيرا عن خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة في نهاية سبتمبر الجاري. بعض من تناولوا الحديث عن الخطاب ووصفوه بأنه خطاب تاريخي؟! وبعضهم قال في نهايته سيفجر عباس قنبلة ؟! وبعضهم وصفوه بالمفاجأة؟! وجميعهم فشل في تحديد ماهية القرارات التي يتضمنها الخطاب، أو تحديد ماهية القنبلة، فبعضه ذهب إلى أنها تعليق أو إلغاء لاتفاقية أوسلو لأن الطرف الآخر لم يلتزم بها؟! وبعضهم قال إنه يتضمن فقط إلغاء التنسيق الأمني واتفاقية باريس الاقتصادية، وبعضهم قال إن الرئيس سيعلن استقالته واعتزاله السياسة من على منبر الأمم المتحدة؟!
ومن ناحية أخرى تناول بعضهم تناول الحديث عن الخطاب المرتقب بالسخرية، والرسوم الكاريكاتورية المعبرة عن الإحباط والفشل ، وانطلقوا من ضعف عباس، وتردده الدائم، وتهديداته السابقة التي لم ينفذها، وخضوعه للتهديدات الأميركية، وهؤلاء يستبعدون كل ما قاله الطرف الأول عن القنبلة وعن الصفة التاريخية للخطاب.
واللافت للنظر أن هناك طرف ثالث اتجه نحو النقد الأكاديمي، قائلا نحن كفلسطينيين لا نريد مفاجآت فردية لا نعرفها أو نتعرف عليها بعد وقوعها، نحن نريد سياسة مؤسسية تخطط وتنفذ بحسب المصالح الفلسطينية، وأن يكون الشعب شريكا في هذه السياسة، وإن سياسة التهديد والتردد لا تبني دولة ولا تحقق مصالح الشعب الفلسطيني.
إنه وفي ضوء نقد ما يجري، والسخرية من القنبلة، نفى صائب عريقات التسريبات التي تحدثت عن القنبلة، وعن الخطاب التاريخي، على نحو نفهم منه أن الخطاب سيكون خطابا معتادا كغيره من الخطابات السابق، بينما قال غيرة من قادة فتح والمنظمة إن عباس سيعلن عن فلسطين دولة تحت الاحتلال ، بما يترتب على هذا الإعلان من تداعيات سياسية. ولكن السؤال المباشر يقول هل عباس جاهز لتحمل تبعات وتداعيات هذ الأعلان؟!
واللافت للنظر أيضا أن الصحف العبرية تنقل قلق الإدارة الأميركية من خطاب عباس المزمع إلقائه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خشية أن يتضمن الاستقالة، أو حلّ السلطة؟! وهنا نسأل عن حقيقة هذا القلق، وهل عدمت أميركا الوسائل لمعرفة مضامين الخطاب؟! وإذا كانت الإجابة بالنفي، فلماذا يضخم الإعلام الخطاب بشكل متعمد واستباقي، وكأن عباس زعيم دولة عظمى، تملك تهديد العالم وتهديد دولة الاحتلال والعدوان ؟!
إنه لا معني عندي للتضخيم هذا غير السخرية ( الإسرائيلية )من عباس، وغير رسالة الإحباط التي تريد إسرائيل أن ترسلها للفلسطينيين حين يأتي الخطاب عاديا بلا قرارات جريئة تتعلق بحل السلطة أو الاستقالة أو وقف التنسيق الأمني.
إن غياب العمل المؤسسي في السلطة، وحرمان الشعب من حقه في المشاركة في صناعة القرار، هو المسئول الأول عن هذه الحالة المرتبكة، وأمثالها، مما يصعب حصر مظاهره في مقال صغير الحجم. وصدق من قال نحن في حاجة للمؤسسة، وفي حاجة إلى قرار مؤسسي، ولسنا في حاجة إلى تهديدات، كما لسنا في حاجة لأن يعيش الشعب في العتمة فريسة للتكهنات وتسريبات وسائل الإعلام. وقديما قالوا بعض السمنة ورم؟!