د. يوسف رزقة
تزامن في هذا العام عيدان. الأول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والآخر عيد رأس السنة الميلادية. من المعلوم أن عيد رأس السنة هو احتفال يخص المسيحيين والنصارى، بينما المولد البنوي الشريف هو يوم ذكرى للمسلمين على وجه الخصوص، ولكن الأمور لا تمشي في عالمنا المعاصر على أصول، فهي مضطربة جدا كاضطراب النظام العربي في بلاد العرب والمسلمين.
قديما لعن بعض أهل المعرفة ( ساس يسوس ) لما تتضمنه من نفاق، وكذب، وتدليس. هذا ولم تكن الحياة اليومية ، وبالذات ( الدينية والسياسية) مضطربة على هذا النحو من الاضطراب في أيامنا، حيث أفسدت السياسة الدين، والأخلاق، والمجتمع، إفسادا ما كان له مثيل من قبل.
تداولت وسائل الإعلام احتفالات عيد الميلاد في دبي مثلا بدولة . وهي دولة دين شعبها الإسلام، ولغتها اللغة العربية، وهي من أقرب النقاط جغرافيا إلى (مكة، وطيبة) موطن الهدى والرحمة، وركزت وسائل الإعلام في تناولها على حجم الإنفاق الضخم ، الذي انفقته الدولة على الاحتفال بعيد الميلاد ، وهو احتفال يخص الأخوة المسيحيين بالدرجة الأولى، حيث قدر الإنفاق بحوالي (٥٠٠) مليون دولار، وقيل إنه الإنفاق الأعلى في العالم، حيث لم ينفق مثله الفاتيكان، ولا أي من العواصم الأوربية أوغيرها.
من البدهي أن يسأل المراقبون عن جدوى هذا الإنفاق، وعن مبرراته، وهل الغرض منه اقتصادي استثماري، بهدف جلب السائحين، وتحقيق مكاسب مالية ؟! أم أن الهدف منه اجتماعي سياسي لمكافحة التشدد( الإسلامي؟!) وغيره،؟! وهل هذا هو الصواب في بحث الدولة عن الإسلام الوسطي؟! أو هل هذا هو ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين من بعده؟!
هل أنفقت دولة الإسلام الأولى مالا على مثل هذه الاحتفالات ؟! المسلمون مختلفون فيما بينهم حول جواز أو منع الاحتفال بالمولد النبوي نفسه، ولكل له وجة نظره، وحججه،ونحن هنا لا نناقش الأمر فقهيا، وإنما نناقش السياسة وأثرها على هوية البلد، حيث لكل أمة أعيادها، التي تعبر عن هويتها، ولكل أهل دين أو شريعة أعيادهم التي يجدر بمن يخالفهم في الشريعة أن يحترمها ويحترم أصحابها.
إن أنفاق نصف مليار دولار على احتفالات عيد الميلاد هو إنفاق ضخم، وهو عند كثير من الناس إنفاق في غير مكانه، بينما الفقر والجوع ينهش قلوب الأطفال في سوريا وغيرها من البلاد، وهو عند إنفاق فيه بهذه المناسبة إجحاف مقصود بهوية البلد ، وثقافته الموروثة عن الأباء والأجداد.
إن ما يصاحب أعياد الميلاد من لهو وعبث، وانحراف في السلوك، ومجافاة للأخلاق الكريمة، كاف لإثارة أهل الغيرة على الأخلاق وعلى المال، ليعبروا عن سخطهم على مقترفي هذا العبث، ممن يزعمون البحث عن الوسطية؟!! بينما الوسطية الحقيقية غائبة.