د. يوسف رزقة
حاول سفير مصر لدى السلطة في رام الله التفريق بين الموقف السياسي للدولة المصرية الآن، والموقف القضائي الصادر عن محكمة الأمور المستعجلة، بالقول إن قرار المحكمة يخص القاضي، وأنه لا يؤثر على موقف النظام والدولة من حماس؟!
هذا التفريق الدبلوماسي الإعلامي يستهدف أمرين : الأول الزعم بأن قرار القاضي كان حكما قضائيا لا حكما سياسيا؟! وبهذا ينفي الاتهام الأساسي الذي يعيب القرار وينقضه من أساسه. القرار في نظر حماس والشعب الفلسطيني والخبراء هو قرار سياسي قرأه القاضي من منصة محكمة غير ذات اختصاص.
والثاني يستهدف امتصاص ردود فعل حماس وأنصارها بالزعم أن السلطات المصرية ما تزال على موقفها كما كان قبل القرار، وأن القرار لم يغير شيئا، ومن ثمة لا داعٍ للاحتجاج ضد قرار قضائي؟!
بعبارة أخرى يريد سفير مصر لدى السلطة ضرب حماس، وطعنها، وهدم كيانها كحركة تحرر وطني ، دون أن تصرخ أو تتألم؟! ويريد من حماس أن تركن إلى لغة دبلوماسية وفذلكة سياسية لا تقدم ولا تؤخر. إن من حق الضحية يا سيادة السفير أن تشكو، وأن تتألم، وأن تحتج، وأن تتظاهر، لأنها مقتنعة تماما أن القرار سياسي بامتياز، وأن القاضي ما كان يجرؤ أبدا على إصدار هذا الحكم الخال من المبررات القانونية دون ضوء أخضر من صاحب السلطان في الدولة. ومما يؤكد هذا أن المحكمة نفسها رفضت النظر في قضية إرهاب المرفوعة من محامين مصريين ضد إسرائيل ، لغياب الضوء الأخضر من السلطان. ومن ثمة قالت في رفضها أنها ليست جهة اختصاص. ولو جاءها الأذن بعد أشهر ستصير جهة اختصاص ، تماما مثل ما حدث مع حماس؟!.
من حق حماس أن تنظر في مواقف وأعمال السلطة الحاكمة في مصر إلى جنب النظر في حكم القضاء،وحماس حين تنظر في الأمرين تهتم بالأعمال ودلالتها أكثر من اهتمامها بالأقوال، مع أن اللسان في لغة العرب سفير القلب، وأول العمل، وهي تتمني أن تتحلى السلطة المصرية بمواقف إيجابية، أكثر نفعا من مواقف محكمة الأمور المستعجلة، ولكن الوقائع تقول إن محكمة الأمور المستعجلة هي (سوط ) السلطة الحاكمة في مصر ضد من تراهم خصوما أو أعداء.
قضية حماس ليست قضية مستعجلة لكي تنظرها هذه المحكمة ( السوط)، ولكن أمورا سياسية جعلت هذه القضية مستعجلة الآن، وجعلت الحكم فيها يصدر غيابيا على هذا النحو، الأمر الذي يرجح حرص السلطات على تنفيذ القرار ، وتفعيل إجراءاته بما يخدم أهداف السلطة السياسية.
إن تداعيات القرار عديدة، وخطيرة، ونحن إذ نقرر هذا فإنا لا نتمناه، ولكن من يصف الكفر ليس بكافر، ومن هذا الباب نحذر حماس والشعب الفلسطيني من تداعيات هذا القرار، على كل أبناء فلسطين، وعلى مجمل القضية الفلسطينية برمتها، لأن القرار بمجمله هو تحول كبير في السياسة المصرية، حيث نقلت مصر٢٠١٥م حماس من خانة حركات التحرر الوطني، إلى خانة الإرهاب؟! ومن خانة الحركة الوطنية الفلسطينية العربية ، إلى خانة العدو الذي يسبق اسرائيل في العداوة.
إنه لا مجال لقراءة القرار خارج المفاهيم التي يحملها، والدلالات التي يدل عليها، ولا مجال لقراءته خارج السياق العدائي الذي أنتجه، ودعك من التمنيات، ومن الأقوال الدبلوماسية المائعة التي لا تقدم ولا تؤخر. لم تعد الأمور والمواقف خافية، والشمس لا يغطيها الغربال البتة. والله هو المستعان، وعليه يتوكل المتوكلون.