د. يوسف رزقة
كان رحمه الله ثالث ثلاثة في حركة الإخوان المسلمين في البريج في نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، وكان ربما أول داعية وخطيب بليغ يعتلي منابر الخاطبة في الوسطى، ويتنقل من مسجد إلى آخر ليعظ ويعلم الناس. كان من أحرص من عرفت من الأساتذة في جيله على صلاة الجماعة، وعلى تعليم الصلاة لطلاب المدارس في المرحلة الابتدائية، حيث كان مدرسا للغة العربية، والتربية الدينية،في مدارس الأنروا، وربما كان أول مدرس يقيم مصلى في مدارس الوسطى، ليتخذ منه أداة لتعليم الأطفال الصلاة في جماعة.
كان رحمه الله من أهل الاتباع، يتحرى السنن، ويحرص على أدائها في كل الظروف والأحوال. كان علما في اللغة العربية، علما وعملا، وكان مرجعا في الفقه، والفتوى، لا في حركة الاخوان، وحماس فحسب، بل بين الناس أيضا، منذ السبعينييات . وكان مصلحا اجتماعيا شديد التمسك بالعدل والإنصاف بين المتخاصمين، وذا هيبة في مجلس القضاء، يفرض عليك احترام قضائه بحسن أخلاقة وشدته في الحق.
كان لا يخشى في الدعوة الى لله أحدا من البشر، فلم تخفه تقارير المباحث في أيام عبد الناصر، ولم تثنه تقارير العملاء في في زمن الاحتلال، وحسبي شاهدا أنني لا أعرف عدد المرات التي اعتقل فيها، وكان من كبار المبعدين سنا إلى مرج الزهور، ولكنه كان من أكثرهم أخذا بالعزيمة ، وكلهم كانوا من أهل العزائم.
في عام ١٩٩٦حيث اشتدت اعتقالات الأمن الوقائي، والمخابرات ، وطأة على أبناء حماس، وكانا نحسب حسابا لكل كلمة نقولها في جمع من الناس، وقف رحمه الله خطيبا في ملعب اليرموك، ليعلن موقف حماس المؤيد للمقاومة، والرافض لاعتقالات السلطة، والرافض للمشاركة في انتخابات ١٩٩٦م، أمام الآلاف، وأمام أجهزة الأمن.
كان رحمه الله واحدا من رواد الدعوة الإسلامية، يوم كانت غزة تعتمد في الوعظ على العلماء المصريين الوافدين لغزة في شهر رمضان المبارك. وكان واحدا من عدد قليل ممن أسسوا حركة الإخوان، وحركة حماس في قطاع غزة، كان صديقا للشيخ أحمد ياسين زعيم حماس، وقائدها الذي لا يبارى في العطاء، وكان رفيق الدكتور ابراهيم المقادمة،القائد الذي آمن بالعمل العسكري طريقا للعزة والتحرير، وكان من أهم من وفر ملاذا آمنا للمجاهدين والمطاردين، في زمن كانت ضريبة هذا العمل سنوات، وسنوات من الاعتقال.
كان هذا العلم الشامخ، والرائد المجاهد، والزاهد العابد، ولا نزكيه على الله، هو ( محمد صالح طه، أبو أيمن) رحمه الله، الذي ترجلّ عن حصان الدعوة والجهاد، وعن منابر الخطابة والعلم، أمس الأربعاء ١١/١١/٢٠١٤م عن (٧٧) عاما، قضاه فيما نحسب في الطاعة والدعوة.
لقد فارق أهله، وأهل منطقته وهم في حاجة إليه، ففي فقده فقدت فلسطين علما، وعمودا من أعمدة المجتمع. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
وبهذه المناسبة إذ تنعاه جريد فلسطين، ممثلة بمجلس إدارتها، والعاملين فيها، إلى الأمتين العربية والإسلامية، لتتقدم بحسن العزاء من ذويه، ومن قادة حماس، ومن تلامذته ومريديه، رحمه الله وغفر له، وأسكنه فسيح جناته.