د. يوسف رزقة
ماذا وراء موجة الدعس والطعن الأخيرة في القدس وما حولها؟! لا شيء حقيقي وجوهري خلف هذه الموجة غير الغضب الفلسطيني الذي بلغ ذروته في الحرب على غزة، من ناحية، وفي جرأة الإسرائيليين متطرفين وغير متطرفين، حكوميين، ومدنيين، على تدنيس الأقصى، والتهديد بتقسيمه، وبهدمه ، من ناحية ثانية.
إننا إذا نظر من زاوية أشمل وأسع للقضية الفلسطينية في عام ٢٠١٤م، وجدنا أن الفشل يحاصر الشعب الفلسطيني في كل مكان، وفي كل مستوى من ناحية ثالثة. وإذا نظرنا في إجراءات حكومة نيتنياهو وجدناه الحكومة الأكثر تتطرفا في التعامل مع الفلسطينيين، والأكثر قسوة عليهم في القدس، وفي الضفة، وفي غزة، وفي الأرض المحتلة في ١٩٤٨م، من ناحية رابعة. وبناء على هذه النواحي، لم يعد للفلسطينيين أمل في حياة كريمة.
مشروع عباس التفاوضي بلغ نهايته بالفشل الذريع، ولم يعد عند عباس أمل في حل الدولتين، ولا أمل في العودة إلى المفاوضات، وانتهى مشروعه إلى صفر كبير، وهو يعلم ذلك، بل هو يعيش ذلك واقعا، حتى وإن تكلم في الإعلام عن المفاوضات، وعن مجلس الأمن، وخلاف ذلك.
ومشروع حماس وغيرها من الفصائل المقاومة، فقد الإسناد العربي والإقليمي، مع الأزمات الداخلية التي ضربت العواصم العربية، وبات النظام العربي، أو قل الجزء الغني والمؤثر منه، مشغولا بهمومه عن فلسطين جملة، وصار أكثر حرصا على تطبيع العلاقة مع اسرائيل، ومحاصرة المقاومة في غزة، والقدس، وتقليم أظافرها، وحسبنا أن نقرأ تصريح جلعاد الأخير، حيث أثنى فيه على دور دول عربية لم يحددها في تخفيض وتيرة الاحتجاجات في القدس، وأن الاحتجاجات حققت تراجعا بسبب مواقف هذه الدول.
ومشروع أهلنا في فلسطين المحتلة في عام ١٩٤٨م في تحقيق العدالة، والمساوة، والتعايش، انتهى أيضا إلى الفشل، واصطدم قادة العرب بحائط مسدود، بلغ درجة أن نيتنياهو يطلب منهم الالتحاق بالسلطة الفلسطينية في رام الله، وهددهم باتهامهم بالإرهاب ، لأنهم يطالبون بحقوقهم المدنية?! بينما طلب ليبرمان بتهجيرهم وطردهم، وقامت الشرطة بترجمة ذلك كله بإعدام ( خير الدين حمدان) بدم بارد، وبتعمد، مع سبق الإصرار كما أظهرت الصور.
غزة التي قاست الحصار الأطول في العالم، ولم يستمع لنداء سكانها أحد، وغزة التي خاضت حربا ضروسا من أجل الحياة الكريمة، وخرجت من الحرب بآلاف المنازل التي تحتاج لإعادة إعمار، باتت تشعر أن كل الأطراف:( اسرائيل، والسلطة، ومصر، وآلية روبرت سيري) كلها تستثمر حاجة السكان لإعادة الإعمار في قهر حماس ، وغزة، والفلسطيني أينما كان.
هذه الحالة المأساوية المسكون بالفشل، والقهر، والإحباط، وتلاشي الأمل، هي المسئول الحقيقي عن عمليات الدعس، وعمليات الطعن، التي حظيت بتأييد شعبي منقطع النظير في كل أنحاء فلسطين، وهي حالة يعدها المراقبون بداية قوية لتفجير انتفاضة ثالثة، رغم رفض السلطة وإسرائيل لهذه الانتفاضة، لأن حالة الغضب، والإحساس بالفشل، والقهر، لا متنفس لها إلا من خلال الانتفاضة. والطعن والدعس، هو مقدمة طبيعية للتعبير عن هذا الواقع المتفجر.