د. يوسف رزقة
أصدرت بلدية غزة أول أمس الخميس بيانا استنكرت فيه الاعتداء على موظف البلدية لجمع نفيات السوق في الفترة المسائية في منطقة سوق الشيخ رضوان، وأعربت عن خشيتها من أن يكون الاعتداء ناتج عن التحريض على البلدية، في الأسبوع الذي سبق الاعتداء، و الذي كان بعد حدث صاحب بسطة ( روتس الغلابة )، واتهمت البلدية بالمسئولية عنه بدون تحقيق موضوعي . الموظف المغدور الآن في العناية المركزة في الشفاء في حالة حرجة، ومع ذلك لم تعلق فصائل العمل الوطني على طعن موظف البلدية، وغابت عن الساحة تماما ؟!
ماجرى مع موظف البلدية ليس مجرد اعتداء بدني، بل هو أبعد من ذلك بكثير. إنه يكشف على الأقل عن مرضين من أمراض غزة: الأول الفراغ - والثاني - الانتهازية الحزبية.
ولكي يقف القارئ على المرض الثاني يجدر به أن يجري مقارنة ذاتية بين موقف فصائل اليسار الغزي مثلا ، مما جرى مع صاحب ( روتس الغلابة) عافاه الله، وبين ما جري مع موظف بلدية غزة عافاه الله، فكلا الرجلين من الطبقة الكادحة المسحوقة، وكلاهما يبحث عن لقمة عيش أولاده، فيصيب جزءا منها بشق الأنفس كما يقولون. غير أن الأول لقي من يتعاطف معه( شكلا) لغرض مهاجمة البلدية (جوهرا)، ومطالبة رئيسها بالاستقالة، وبالتالي تسجيل موقف سياسي حزبي ، يقول إن اليسار يقف مع قضايا الغلابة ؟!، ومن ثمة دعا إلى حشد أنصاره أمام البلدية مطالبا باستقالة رئيسها، وهكذا تم نقل الحدث من مستواه الاجتماعي إلى أفق سياسي نقلا حزبيا بدون موضوعية أو تمحيص جاد.
موظف بلدية غزة المغدور هو من نفس الطبقة التي منها الأول، والجريمة كانت طعن مباشر بسلاح أبيض، بغرض القتل أو العقاب والتخويف، ومنع الموظف من أداء عمله، فهي أشد وأنكى ؟!. لم يستنكر اليسار الغزي ( أبو الغلابة !!) الطعن، ولم يعقب على الجريمة، ولم يطلب من الأمن الأخذ على يد الجناة، فأين المبادئ ؟! وما تعريف الكادحين والعمال والغلابة؟! ولماذا لا يتساوى الغلابة في التقدير عندهم؟!
نعم إن الحدث البسيط يمكن أن يهدم جسما كبيرا. وإن سقوط النواة التي تسند الزير يمكن أن تكسره. ولا فرق كبير بين سقوط المبادئ وتكسرها، وسقوط الأجسام وتهدم المواد ؟!
والمرض الأول، أعني ( الفراغ) أخطر، لأنه يتجاوز الأحداث الفردية، ويمهد الطريق للفلتان الأمني، الذي عانت منه غزة قبل سنوات، فالذي طعن موظف البلدية بدون مبرر ( بحسب بيان المجلس البلدي) إنما يطعن الأمن والاستقرار، ويأخذ القانون بيده، ويغري غيره على العدوان، ويخيف الموظفين ويمنعهم من أداء عملهم، وقد نبهنا في مقالات سابقة عديدة لخطورة حالة الفراغ التي تعاني منه غزة بعد أن تنكر عباس لاتفاق الشاطئ، وجعل غزة كالمعلقة. ولعل أخطر حالات الفراغ هو الفراغ الأمني الذي يشكل بيئة حاضنة للجريمة والعدوان الاجتماعي لأتفه الأسباب. وهنا نقول يجدر بالجهات المسئولة أن تقمع الفراغ، وأن تعالج فورا البيئة الحاضنة للفلتان قبل أن يستفحل، وقبل أن يتسع الخرق على الراقع.