د. يوسف رزقة
تونس أول الربيع العربي في ٢٠١١، وهي أول الديمقراطية العربية التعددية، وهي الوحيدة التي سلمت من كماشة الثورة المضادة، المتعاونة مع الخارج. لماذا نجحت تونس ، وفلتت من الثورة المضادة؟ ولماذا فشلت ثورة الربيع العربي في بلاد عربية أخرى ؟
الإجابة على سؤال ( النجاح والفشل ) متعددة، بعضها محلي ذاتي، وبعضها إقليمي خارجي. ولعل أهم عوامل النجاح في التجربة التونسية: تكمن في النخبة القيادية التونسية المثقفة، التي اختارت الطريق الديمقراطي، وحرسته بالفهم والصبر، والبحث عن الشراكة لا المغالبة. وقد قدمت حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية النموذج الأمثل في فهم اللعبة السياسية، وتأثير موازين القوى الإقليمية والدولية على البناء الهش للديمقراطية في بلد صغير في إمكانياته، وخارج لتوه من ديكتاتورية فردية مستبدة. كانت (النهضة ) الأكثر عطاء وطلبا للشراكة الوطنية مع الآخرين، ومن ثمة ساعدت نفسها والآخرين في إستنقاذ تونس من الفشل، ومن الثورة المضادة.
ويلي هذا العامل في القيمة قرار قيادة الجيش التونسي بعدم التدخل المباشر وغير المباشر في اللعبة السياسية الداخلية، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، والالتزام بما يسمى باختصاصات الجيش وصلاحياته، بدون طمع أو تغول.
تونس التي نجحت في بناء أسس الحياة الديمقراطية ، من دستور، وأحزاب، وقانون انتخابي، وثقافة شعبية حاضنة للديمقراطية، نجحت أمس في عقد أول انتخابات برلمانية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وسارت العملية الانتخابية بسلاسة، ونزاهة، وشفافية، وتحت رقابة محلية وعربية ودولية. وبهذا ضربت تونس المثل والنموذج في عملية البناء الديمقراطي ، والخروج الآمن ( بالثورة إلى الدولة )، بينما تعثرت كل التجارب العربية الأخرى، وما زالت تنزف دما، وقتلى.
في بلاد ثورات الربيع العربي الأخرى فشلت الثورة، وسقطت في قبضة الثورة المضادة لأسباب عديدة، أهمها هو النخبة القيادية المثقفة التي لم تستثمر ثقافتها ودورها القيادي في حماية الثورة، وترسيخ البناء الديمقراطي، وقبلت أن تكون أداة في يد من قرروا هدم الثورة. والسبب الثاني يرجع الى الجيش الوطني ، وبقية النظام والدولة العميقة، الذين اجتمعوا على استخدام القوة العسكرية لإفشال الثورة، واستعادة الحكم من الثوار، ولم يحترموا إرادة الناخبين، ولا دماء الشعب.
في هذه البلاد ما زالت دماء الشعب تنزف، وما زال الاستقرار غائبا، وما زال الصراع محتدما، تغذية شبكة قذرة من التدخلات الإقليمية والدولية، ولا أحد يستطيع تحديد طبيعة المستقبل الذي ينتظر هذه البلاد على وجه الدقة واليقين، لأن جزءا مهما من القرار الوطني الداخلي صار في يد قوى إقليمية ودولية.
إنه بناء على الصورة والصورة المقابلة، للنجاح والفشل آنفة الذكر، تستحق تونس لقب أول الديمقراطية ، وتستحق أن نهنئها على نجاح تجربتها، ومع ذلك ندعو أحزابها للحذر، فالثورة المضادة لم تضع أسلحتها، والتدخلات الخارجية ما زالت تبحث عن الثغرات الداخلية لتوسيعها والمرور منها.
وفي الختام هنيئا للثورة التونسية، ونبارك لها نجاح تجربتها، وهي تهنئة يجتمع عليها الشعب الفلسطيني في كل مكان، وفي غزة على وجه الخصوص، فتونس هي دائما في القلب لأن فلسطين والقدس وغزة دائما كانت في كل بيت حضر ومدر في تونس الخضراء. وهنا ترسل صحيفة فلسطين باسمها تهنئة خاصة، للشعب التونسي، وللإعلام التونسي. والعاقبة عند البلاد العربية الأخرى.