د. يوسف رزقة
يبدو تصريح ( جون برينان) مدير وكالة الاستخبارات الأميركية أمام مجلس العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي حول سوريا لافتا للنظر، ومثيرا للاهتمام أيضا عند من يبحث في كيفية إدارة أميركا لمناطق الصراع في المنطقة العربية والإسلامية .
لقد قال رجل وكالة الاستخبارات بصراحة غير مسبوقة : ( إن أميركا وروسيا ودول المنطقة التي تحيط بسوريا لا تعمل على إسقاط نظام الأسد، لأن سقوط الأسد يعني الفراغ، ويعني سيطرة القوى الإسلامية المتطرفة على سوريا؟!).
المثير في تصريح( برينان) ليست صراحته وهي مهمة ، وليست مكانته ومسئولياته وهي مهمة أيضا، وليست وثائقية قوله ورسميته، حيث كانت شهادته شهادة رسمية حكومية أمام أعضاء من الكونجرس، وهي مهمة من ناحية ثالثة. ليس لكل ما تقدم وحده ، بل إن الأهم والمثير بعد ما تقدم هو ما يقف خلف التصريح من رؤية أميركية.
يكشف التصريح أن الرؤية الأميركية تقوم على قاعدة التلاعب، والعبث في الثورة السورية وغيرها من الثورات. أميركا تبحث دائما عن مصالحها ، وهي مصالح غالبا ما تلتقي في المنطقة العربية والإسلامية مع الأنظمة الاستبداية القائمة على الحكم الفردي أو الحكم العائلي .
اعترافات (برينان ) تجعلنا على حق حين ندين الموقف الأميركي ، ونتهمه بالعدوانية، حيث تخلو مواقفها من القيم والمبادئ.
لقد غدت الحالة السورية النموذج الأسوأ في تاريخ تجارب الشعوب مع من يحكمها. والتجربة الأسوأ في القرن الحديث في تاريخ إدارة أميركا للأزمات الخارجية كدولة عظمى وحيدة.
سوريا تسير باتجاه مزيد من الدمار والهدم، بعد أن فقدت الآلاف ، بل مئات الآلاف من أبنائها بين قتيل وجريح ومهاجر وطريد. لقد هجرت الملايين أماكن سكناها هربا من القذائف والقتال، وبات الشعب السوري في معاناة لا مثيل لها. ومع ذلك ما زالت أميركا الدولة الأعظم تقف موقف اللامبالي، والمتفرج، ثم المستثمر للأزمة ، بحيث يتم توجيه مخرجاتها نحو خدمة اسرائيل والمصالح الأمريكية ، تحت عباءة محاربة تنظيم الدولة، والجماعات الإسلامية. وهنا ننوه أنه ليس بالضرورة الحديث في التدخل العسكري، ولكن ثمة ضرورة لحل سياسي يجنب سوريا مآلات هذه النيران المشتعلة في كل مكان.
لم تنجح قيادات المعارضة السورية في تغيير موقف أميركا الذي حدده (برينان) ، ولم تنجح أنظمة عربية في تحقيق رغبتها في تغيير الموقف الأميركي، لأن كلمة دولة الاحتلال حاسمة في تحديد رؤية أميركا وموقفها من صراعات المنطقة. ( إسرائيل ) تود إبقاء الصراع حتى آخر مواطن سوري، وآخر جندي سوري. وهي في الوقت نفسه تود أن ترى العراق وليبيا واليمن ومصر في حروب داخلية حتى آخر رصاصة في يد المتقاتلين.
بعض المحللين أسند سياسة أوباما التي نوه إليها ( برينان) إلى ضعف الرجل في القرار الذي يتعلق بمواطن الصراع خارج أميركا. ولكن قول ( برينان )لا يقول هذا، وإنما يقول : إن أصول الرؤية الأميركية، والموقف الأميركي هو الموجه للموقف الأميركي المذكور آنفا. إنها رؤية انتهازية، تتماهى مع الرؤية الإسرائيلية.
لست أدري كيف يثق العرب (أنظمة وشعوبا) في الإدارة الأميركية ومزاعمها لخدمة المنطقة وقضايا الأمة العربية. أميركا التي ترعى الاستبداد على حساب شعوب المنطقة العربية ، لا يمكن أن تقدم حلولا للأزمات تقوم على العدالة والديمقراطية، وحقوق الإنسان. ويجدر بنا أن نتوقع منها الأسوأ.