د. محمد إبراهيم المدهون
في ذكرى الرحيل السادسة تبرز صورة الشيخ القائد النائب الوزير الهمام الشهيد سعيد بن محمد بن شعبان صيام المولود في مخيم الشاطئ بغزة في 22 من يوليو لعام 1959م، وتنحدر عائلته من قرية الجورة قضاء المجدل-عسقلان في جنوب فلسطين، من أبرز قادة حماس السياسيين في قطاع غزة، ويلقب بالرجل الحديدي في حركة المقاومة الإسلامية حماس, ووزير الداخلية في أول حكومة لحركة حماس, ومرسي دعائم الأمن في قطاع غزة, ونائب في المجلس التشريعي الفلسطيني والحاصل على أعلى الأصوات قاطبةً في الإنتخابات التشريعية في العام 2006, وقد كان متزوجاً وله ستة أبناء.
تخرج الشيخ سعيد عام 1980 من دار المعلمين في رام الله حاصلا على دبلوم تدريس العلوم والرياضيات، وعضو اتحاد الطلاب بدار المعلمين برام الله ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة التي حصل منها على شهادة بكالوريوس في التربية الإسلامية. وعمل معلماً في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة من العام 1980 حتى نهاية العام 2003 حيث اضطر إلى ترك العمل. وقد كان عضو اتحاد الموظفين العرب في وكالة الغوث لعدة دورات، وترأس لجنة قطاع المعلمين لمدة سبع سنوات متتالية، وكان عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية في غزة، وعضو الهيئة التأسيسية لمركز أبحاث المستقبل. وقد عمل خطيبا وإماما متطوعا في مسجدي اليرموك وفلسطين في مدينة غزة، وعمل كذلك واعظا وخطيبا في العديد من مساجد قطاع غزة.
الوزير الهمام صيام ممثل حركة حماس في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية، وعضو القيادة السياسية لحركة حماس في قطاع غزة حيث تسلم دائرة العلاقات الخارجية في الحركة.
اعتقل الشيخ سعيد أربع مرات إداريا من قبل الجيش الإسرائيلي خلال فترة الانتفاضة الأولى عام 1987م، وأحد مبعدي مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992م لمدة عام كامل.
كما اعتقله جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطيني عام 1995م ضمن اعتقالات شنتها السلطة الفلسطينية ضد كل من حماس والجهاد الإسلامي بسبب سلسلة من العمليات الاستشهادية داخل الكيان الغاصب.
وقد حاول الصهاينة اغتيال الشيخ سعيد عندما قصف سلاح الجو الإسرائيلي في حزيران 2006م مكتبه وذلك في أثناء العدوان على غزة بعد أسر الجندي شاليط.
وفي يوم 15 يناير 2009 - اليوم العشرون لعدوان الفرقان تم اغتيال الشهيد الوزير الهمام سعيد صيام مع شقيقه وولده محمد وثلة من الشهداء الأطهار.
الوزير الهمام صيام مدرسة كبيرة من التربية والعطاء والتضحيات، كان الأب الحنون فأجمل اللحظات يقضيها الأطفال والأحفاد مع جدهم أبي مصعب رحمه الله. الرجل الذي كان يقضي وقته في الطاعة والعبادة ينتقل من تلاوة القرآن إلى ذكر الله إلى التسبيح إلى الصلاة والقيام، يجتهد في ممارسة قليل من التمارين الرياضية، تلازمه دوماً نوتة جدول أعماله لا يترك شاردة ولا واردة.
وأكثر ما يميز الشهيد الهمام حرصه على صلة الأرحام. هذا الرجل حقاً قد جمع بين حزم ابن الخطاب, و صمت الصديق, وشجاعة علي, وحياء عثمان, وعلم معاذ بالحلال والحرام.
نعم قد كان رجل الحركة ورجل الحكومة والأمن ورجل المرحلة الحرجة الحساسة.
كم ملكت يا سيدي الوزير الهمام من مزايا وخصائل, حب الإسلام والإقتداء بالنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم, ورقة القلب وقصب السبق وإنكار الذات, والثبات على المواقف.
كانت الشهادة أسمى أمانيك، وكانت دعاءك الذي لا يتوقف, كم كنت تدندن "فتنت روحي يا شهيد, علمتها معنى الخلود, شوقتها للرحيل". وقد أكرمك الله باستشهادك وثلة من أهلك الكرام جميعاً.
في الليلة الظلماء غابت الذروة الشماء وافتقدنا البدر الذي رحل وهو يبني بيت الشموخ والكبرياء، ولما يكتمل البناء بعد.
رحل رحمه الله بعد أن ساهم في بناء مدرسة الجهاد والمقاومة والعزيمة والأمن والحكومة والتشريعي، وأصبح معلماً بارزاً وركناً عتيداً في قلعة البناء والتحرير والجهاد والاستشهاد.
الشهيد صيام أحسن القيام بأداء دور القائد في فلسطين الجريحة، فالتفّت الناس حوله وآمنت بخطه واتبعت نهجه، واستشهد تطبيقاً لمبادئه.
أكد الوزير صيام إنّ الأمّة في فلسطين لم تعد بحاجة إلى المزيد من التوعية والمهام الفكرية، وهل هناك نضج ووعي أكثر من إرادة الثورة والتضحية، إنّما الشعوب تحتاج إلى قائد يعيشها وتعيشه في علاقة حب متبادلة.
أثبت القائد صيام بأنّ الإنسان الفلسطيني لم يتعب أو يرهقه طول السير، فهو يتجدد مع الأيام، يتمرد على الجراح والأحزان، والأكثر من ذلك يستطيع أن يبدع القوة.. يجمع الأشلاء ليحولها إلى عملاق يتحدى..
كان النائب صيام وكما يفهم من تجربته ومن بعض الأحاديث الخاصة يؤمن بضرورة المبادرة القيادية عندما تكون مطابقة للحكم الشرعي. الشهيد صيام كان ظاهرة في العمل الإسلامي لتُحدِث التغيير في مرتكزات المفاهيم السائدة بالاستعلاء على حطام الدنيا الفانية.
الشهيد الهمام صيام ملحمـة خالدة لا تنتهي... ومدرسة عز نظيرها والمدرسة مشرعـة الأبواب .. تؤذن أن في الطريق سالكين قد سبقوك.. وأن الدرب الممهرة بالدم.. المسيجة بالتضحية.. المعبدة بالجهاد المتنوع اللامحدود لازال فيها متسع للسالكين.. ولازال في الوقت متسع.
وإن التوثيق واجب كي تبقى مدرسة " الوزير صيام " تتوارثها الأجيال كي تُحدّث أبناءك قصص العظام وتعلمهم أبجديات المقاومة.. وتقدم لهم القدوة شاخصة في دماء نازفة.. وأرواح توّاقة. قدوة من ذات العصر الذي تحياه كي لا تعتذر بتغير الأيام والأزمان... القدوة في أولئك النفر العظام الذين تمنطقوا بالشهادة وتسلحوا بالعقيدة.. وقدموا لأمتنا وشعبنا النموذج الأروع، ورفعوا أسهم قضية فلسطين، وتقدر العظمة بمقدار ما يقدم المرء لدينه وأمته وشعبه من عطاء.
إذا كنت قرأت سيرة الشهيد صيام فعد إليه ثانية فهي سلاح في مواجهة النوائب تدفع فيك العزم والهمة... أو حدث بها من أحببت كي تقذف فيه الروح. وأنبأ الجميع أن الوزير صيام مدرسة عظيمة خالدة، وجدير أن يسطر تاريخها بمداد النـور والنار ليبقى سجلاً تتوارثه الأجيال حتى يأذن الله بالنصر والتمكيـن.
و الله تبارك وتعالى نسأل أن يُسكن الشهيد الهمام سعيد صيام الفردوس الأعلى من الجنة مع الأنبياء والصديقين والشهداء...