د. محمد إبراهيم المدهون
في أجواء مختلفة وبحلة مصالحة وطنية ولون جديد نحتفي بفلسطين بذكرى نكبتها السادسة والستين, أبعاد متنوعة في فعاليات النكبة تحمل في طياتها نسمات العطاء والتجديد وعبق التحدي من أجل البناء والتعمير والتميز والإبداع والإرتقاء وصناعة الوعي الفلسطيني.
يا شعب فلسطين: الوعي صناعة وتحدي.. تماماً كما الاستشهاد والمقاومة.. والحياة وهي تسير في تيار واحد يصب في نهايته في تحقيق معنى الحضارة والإعمار.. " هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا " [هود: 61] وفي هذا التيار الواحد تتعدد الجهود وتتنوع الصفات وتتغير السبل والأساليب لتصب في معين البناء والتغيير.. نعم الحداد يطرق الحديد فيؤلمه لكن ليحقق منه سلعة جديدة صالحة لاستعمار الحياة وصناعتها وكذا النجار والبنّاء والمعلم والمهندس والطبيب...
في فعاليات النكبة علينا أن نعمق إدراكنا كشعب فلسطيني أننا أصحاب قضية وعمق حضاري وتاريخ وضاء وفي هذا تأثير كبير على الصناعة والبناء.. ودعوة لنا كي نمسك بزمام الوعي بشمول وعمق. وفعاليات النكبة نزول على ساحة الفعل الميداني بأفق إبداعي.. والمطلوب هنا العلو في وعي مدرك لنمسك بالزمام وليس الغرق في خضم التيار.. والعلو لإمساك الزمام بحاجة إلى استعداد نفسي بالصبر والتصبر وأداءً بالعلم والتعلم واستعانةً بالمال والموارد، ورمزياً بالجمال والإبداع.
يا شعب فلسطين: قصة التحرير بحاجة إلى إرادة الانتصار أولاً.. لأن "قبل قصة كل استعمار هناك قصة شعب خفيف يقبل الاستخذاء".. والوعي يصنع الإرادة وإن تحققت تلك الإرادة.. تحققت لها وبعدها مقومات هذا الانتصار.. ومن هنا كان لصناعة الوعي نظرية لها مكونات.. أجلها الولاء.. وبه تتحقق الوحدة والترابط حول عنوان الولاء ورمزه ونهجه "محمد (صلى الله عليه وسلم)" ومن تبعه من القادة.. وبذلك تتحقق الطاعة وبها تتظافر الجهود حول بؤرة الفعل.. وذلك بحاجة إلى السكينة والطمأنينة إلى قدر الله تعالى يتلمسها القادة والجنود من صناع المرحلة في رؤيا صالحة وفراسة مؤمن وإلهام موجه وحديث نفس يصنع الرؤيا.. وفأل حسن بالأحداث ومآلاتها ويتوج كل ذلك دعاء مستجاب. وذلك وحده لا يكفي ما لم تتوجه الجهود بفريق بناء متكامل مرشده العلم الشرعي وبركته مع مصاحبته للعلماء والوعاظ في خضم التيار تلتحم صفوف الشباب والطلائع عبر منظومات الشعراء والكتاب والأطباء والمهندسون والخطاطون والعلماء والفلاسفة والتجار والطلاب و....
قبل ذلك ومع ذلك وبعد ذلك يقين على الله أن النهاية يحتكرها المؤمن سواء في الدنيا أو الآخرة " إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ " [يونس: 81]
ومطلوب لأجل ذلك الاستمرار في الإمساك بزمام الحياة ولا بد من أجل ذلك مصاحبة التطوير والإبداع والتحسين في كل محطة ومرحلة علاوة على الوقفة الفاحصة الدائمة والمتابعة الدقيقة وإصلاح ما اعوج وترميم ما فسد مع استعداد دائم واستجابة أصيلة لمعطيات التغيير بما تقتضيه المصلحة وذلك وفق أسس التخطيط السليم والتنفيذ الدقيق مع إعادة توزيع الواجبات وفق ترتيب الأولويات.
يا شعب فلسطين: في ذكرى النكبة إياكم وأنتم تصنعون الوعي أن تتخاصموا ففلسطين توحدنا، وإياكم أن تتعالوا على الناس أو ترهقوهم أو تضعوهم في خانة العداء والخصومة أو تجعلوا أنفسكم فوقهم بل أنتم خدم لأهلكم على طريق القدوة القائد (صلى الله عليه وسلم) صانع الحياة وبانيها والذي أمسك بزمام الوعي وقاد إلى طريق الحق والخير والنور حتى ورثتموها.
بذلك تكونون وأنتم تلتحقون بمدرسة صناعة الوعي خير خلف لخير سلف من أجل الرسو على شاطئ التحرير والعزة والحضارة.