تصدير فائض القلق القطري
آخر تحديث GMT 06:05:23
 فلسطين اليوم -

تصدير فائض القلق القطري

 فلسطين اليوم -

تصدير فائض القلق القطري

بقلم : عدلي صادق

لم يكن الحُكم في قطر سيظل ملتزما سياقه التاريخي لو أنه تقبّل فكرة التهيّؤ السعودي والخليجي لإحباط التدخلات في الإقليم وتأجيج الصراع الطائفي فما يجمع الحكم في قطر مع إيران الشاهنشاهية ثم الخمينية قديم وعميق، ظاهر ومستتر. والعلاقة رشيقة ذات مشتركات عدة من بينها حقل الغاز الأضخم في العالم الذي تستخرج منه قطر ثلاثة أضعاف ما تستخرجه إيران التي يقع ثلث الحقل داخل حدودها المائية.

وتُعاد صياغة العلاقة في كل مرحلة وفق التطورات الإقليمية. فعندما انحازت أقطار مجلس التعاون إلى العراق في حرب الخليج الأولى التزمت إيران الحياد وحرصت على عدم استشارة طرفي الحرب وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، كافأت طهران الدوحة بالوقوف إلى جانبها في النزاع الحدودي مع البحرين على جزر “فشت الدبل”. وامتنعت الدوحة عن انتقاد التدخل الإيراني في البحرين، بل على العكس توصّلت في العام 2010 إلى تفاهم مع الحرس الثوري الإيراني على تعزيز التعاون الاستخباراتي والتدريبات المشتركة.

ولم يكن خافيا قبل أن تتأسس قناة “الجزيرة” أن زعزعة الأوضاع في المشرق العربي أصبحت هدفا قطريا، وأن السعودية تعد هدفا مضمرا، لا سيما بعد الصدام الذي يُسمّى “حادث الخفوس” في سبتمبر 1992، وهو اشتباك حدودي قصير راح ضحيته ضابط سعودي وجنديان قطريان، وانتهى بسيطرة السعودية على منطقة “الخفوس” لتقطع التواصل الجغرافي المباشر بين دولة الإمارات وقطر.

كان ثمة قلق وجودي لدى الحكم الذي كانت السعودية أصلا سببا في تكريس تراتبيته الراهنة، ذلك بحكم أن الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، الذي تسلّم الحكم في العام 1960 وأصبح أمير الدولة المستقلة في العام 1971، كان على صلة بإيران، يتريّض فيها ويمارس هويّة القنص وأطيح به بينما هو في إيران، إذ انقض ابن عمه خليفة، جد تميم، على الرجل الذي منحه الثقة وتعمّد تكليفه نائبا للأمير ورئيسا للوزراء في اليوم التالي لتسلمه منصب أمير قطر المستقلة.

وكان أحمد بن علي آل ثاني يريد إنصاف خليفة، الذي لم يأخذ حقا متفقا عليه بتوليته الحكم عندما يشب عن الطوق. ولم يفعل خليفة ذلك إلا مطمئنا للتأييد السعودي. وكان الذي أطيح به هو الذي أورثه أبوه الحكم وقطع خطوات في اتجاه استقلال قطر ومراكمة عناصر الدولة فيها، قبل أن تجلو عنها بريطانيا واقترن بكريمة الشيخ راشد آل مكتوم وقد تبنى دستورا انتقاليا يدخل به إلى دولة اتحادية مع ثماني إمارات أخرى، وفق اتفاقية تمهيدية في العام 1968. كانت تلك الاتفاقية محصّلة تخوفات حكام الخليج من الجلاء البريطاني الفجائي الذي ربّما يعيدهم إلى مهب الرياح الإقليمية العاتية.

كان من بين حيثيات الجواب البريطاني على التخوفات إقناع الشيوخ بأن يعتمدوا دساتير تؤطر حدود إمارة كل منهم وتحافظ على بقائها السياسي. ولعل أنبل ما قام به أحمد بن علي هو القرار نفسه الذي كان السبب في إقصائه فيما بعد. فقد لازمه القلق من فعلة أبيه، عندما نكث بالعهد، ولم يولِ ابن أخيه خليفة ولاية العهد عندما ينضج. لذا اتخذ قراره الذي أجهز عليه سياسيا بإحالة صلاحيات الحكومة إلى خليفة وتسميته نائبا للحاكم. بعدها تهيّأ هذا الأخير لتشكيل حكومة جديدة مع إعلان الاستقلال وطفق يتصرف كوريث شرعي. ونام أحمد بن علي مطمئنا على وسادة اليقين بأن الصيغة الجديدة للبيعة التي حددها الدستور تجعل العشائر على دراية بأن نكث بيعتها للحاكم يضاهي الارتداد عن الدين.

واتكأ أحمد على فرضية أن حكمه ينبع من الشريعة الإسلامية. وأحسن خليفة اختيار اللحظة التي ينقضّ فيها على ابن العم الذي أتاح له النفوذ ومنحه الصلاحيات. تماما مثلما أحسن حمد بن خليفة اختيار اللحظة التي انقضّ فيها على والده وأطاح به. كانت وجهة سفر أحمد غير مرغوب فيها على مستوى الأوساط الفقهية باعتبارها دلالة على انفتاح أوسع على العَجَمْ. وكان خليفة صائبا في توقعه بأن إقصاءه لابن العم سيلقى التأييد السعودي للسبب الإيراني حصرا.

نفّذ خليفة انقلابه ثم مارس الحكم بذكاء في البدايات استرضى نواة الجيش والعشائر وارتجل مجلسا للشورى وخفّض المخصصات المقررة للحاكم، لتصبح، فقط، تساوي نحو أربعة أضعاف مخصصات رئيس الولايات المتحدة الأميركية في حينه ذلك علما وأن مداخيل النفط والغاز كانت ترتفع بمعدلات كبيرة لكن خليفة سرعان ما أظهر نزقا وضيقا بمجلس الشورى الذي قرر سابقا زيادة عدده. ومع تذمّر شريحة الوجهاء من سلوكه لم يجد طريقا لتعزيز قوته سوى إرسال نجله البكر حمد ليتأهل في كلية “ساند هيرست” البريطانية العريقة ثم يعود ليقف على رأس الجيش. كان ذلك هو خياره لكي يتلافى انقلابا من العائلة، إذ مازال حبل القلق مشدودا.

كانت تلك هي الخطوة التي رآها خليفة ضمانة لبقائه حاكما حتى الرمق الأخير. لم يتخيّل أن تجربة الصراع مع أبناء العمومة والعائلة تصلح للاستفادة منها وأخذ الحيطة لاحتمال نشوء الصراع داخل الأسرة الصغيرة. فما حدث هو أن خطوة التمكين لحمد هي التي أنهت حكمه بدل أن تبدّد المخاطر من حوله، ومن أهمها خطر ثلاثة من إخوته، هم سحيم وعبدالعزيز وناصر.

في بداية التمكين بدأ حمد بتصفية نفوذ أعمامه الأقوياء وعلى رأسهم سحيم وزير الخارجية النشط فبعد الإعلان عن تعيين حَمَد وليّا للعهد اعترض سحيم علنا وتوخى مساندة سعودية مأمولة، وكان رد فعل حَمَد أن دفع بقوة من الجيش لمهاجمة مجموعة مساندة لعمه سحيم في شمال قطر وحدث اشتباك. وفي الغضون أعلن خليفة من قصره الأميري عن نعي شقيقه سحيم ذي الثانية والخمسين إثر إصابته بـ”نوبة قلبية” حسب البيان، وبطلقة نارية، حسب المراجع الأجنبية كلها.

وإثر ذلك سيطر حمد على شؤون البلاد وتعمّد إظهار التميّز عن أبيه. بل إنه دفع 45 وجيها قطريا إلى التقدم بمطالبات سياسية واقتصادية ودستورية. وأشاع في البلاد أنه نصير الروح الشبابية. ولما رفض أبوه الإصلاحات تبنى هو ما سمّاها رغبة “الجيل الجديد” في التغيير لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الدولة.

أطاح بأبيه في غضون سفر آخر مثلما فعل الأب مع ابن عمه ثم اختار صيغة عجيبة للتوازن ولنشدان السلامة: علاقات تجمع النقيضين إيران وإسرائيل. مع الأولى يتقدم بأوراق الاعتماد غير المسبوقة في الخليج إلى واشنطن، ومع الثانية يأمن على نفسه في ظل التناقضات ويحافظ على مصالح الغاز وعلى الدخل المُجزي من الحقل المشترك، وهو 37 مليار دولار سنويا في حينه.

على الرغم من ذلك، لم يلذ الحكم في قطر إلى الصمت والتعقّل على أن يحتفظ بمعادلات سياسته وإنما جعل له في كل عرس قرصا لإفساد معادلات الآخرين وخلط الأوراق وتصدير فائض قلقه الداخلي الذي لا يزال قائما بعد تولية تميم إلى الخارج.sa

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تصدير فائض القلق القطري تصدير فائض القلق القطري



GMT 05:00 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 04:57 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

لا سامح الله من أغلق ملفات الفساد

GMT 04:50 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يصنع كتالوجه الخاص

GMT 04:47 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا!

GMT 04:42 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 04:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 04:37 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday