كورونا وعالمنا المعاصر
آخر تحديث GMT 18:41:05
 فلسطين اليوم -

"كورونا" وعالمنا المعاصر

 فلسطين اليوم -

كورونا وعالمنا المعاصر

عاطف أبو سيف
بقلم : عاطف أبو سيف

ضرب فيروس كورونا العالم في غمضة عين، وسرعان ما تحول إلى وباء عالمي في أيام، بعد أن ظهرت أولى الإصابات به في الصين. والمرض الذي بات عالمياً على صعيد الانتشار لم يمهل الدول الكثير من الوقت من أجل إيجاد سبل تعاون مشترك لمكافحته. فكل دولة ظلت مشغولة بنفسها ونأت عن الفعل الجماعي رغم جهود منظمة الصحة العالمية المشكورة في مساعدة الدول. لكن لم يكن ثمة جهد مشترك أو على الأقل لم يكن مثل هذا الجهد واضحاً في الحرب الشرسة التي تخوضها البشرية من أجل البقاء في وجه فيروس لم يتم اكتشاف علاج له.

وربما أن غياب هذا الجهد - الغياب الذي هو من تأثير قوة انتشار الفيروس وفتكه - هو سبب آخر لتفشيه بصورة أكبر. المعادلة متبادلة النتائج فالمرض وانتشاره بالطريقة التي يتم فيها لم يترك فرصة للدول من أجل أن تجلس وتتشاور وتتحاور وتتبادل الخبرات والتجارب والمعلومات ونتائج الأبحاث، فكل دولة مشغولة بمصائبها ومشاكلها وتأثيرات المرض على مواطنيها ومحاولتها مكافحته والحد من انتشاره داخل البلاد. ومن جانب آخر، فإن غياب الجهد المشترك أعاق سرعة الوصول إلى حلول؛ إذ إن من شأن تبادل المعلومات وتلاقح التجارب والخبرات أن يسرّع من فرص الوصول إلى علاج، وبالتالي وضع حد للمرض الفتاك وتسريع نهايته. وعليه، فإن النتيجة الأبرز هي زيادة عمر الفيروس الأكثر استعصاء على البشرية منذ عقود.

بل إن التوتر الذي خلقه انتشار المرض فتح الباب أمام التكهنات وأطلق العنان لخيالات نظرية المؤامرة. وفيما لا يمكن استبعاد شيء من التحليل، فإن السياقات التي ظهرت فيها هذه التكهنات والخيالات هي نتيجة أخرى من نتائج المرض. إذ يصعب التصديق أن الفيروس سقط من السماء في ليلة وضحاها، وأنه فجأة وجد طريقه إلى أجساد الناس بهذه السرعة كأنه كان نائماً واستيقظ أو أنه كان ضالاً فوجد طريقه. ثمة مساحات كبيرة من الشك تجد طريقها سهلة إلى النفوس حين يتم التفكير في أمر الفيروس الذي بدأ مثلاً بضرب دولتين عدوتين لواشنطن تتمثلان في الصين وإيران، خاصة أن عملية انتشاره في تلك البلدان كانت واسعة وسريعة وحرجة. لكن أيضاً هذا يبدو من باب استسهال الأمور، إذ إن الفيروس انتشر بقوة في أوروبا بعد ذلك. فإيطاليا البلد السياحي الأول في العالم وجدت نفسها ضحية سهلة للمرض الجديد.

بلاد مايكل أنجلو ودانتي ودافنتشي ورفائيلو، البلاد التي حملت للحضارة البشرية بواكير إنجازاتها المعرفية والفكرية، تعاني تحت أيدي المرض، ليست فقط إيطاليا بل جل دول أوروبا باتت مفتوحة أمام هجمات المرض الفتاك. وعليه فإن الافتراض بوجود مؤامرة هو استخفاف بالعقل البشري واستخفاف بمنجزات الحضارة البشرية التي روّضت الطبيعة وانتصرت عليها في أشد معارك التاريخ ضراوة والمتمثلة في بقاء الإنسان على الكوكب بعد أن هبط عليه عارياً سليب القوة.

مثلاً إحدى الملاحظات المهمة حول انتشار المرض، ويجب على شخص مثلي ألا يفتي طبياً في الأمر، هي أنه ينتشر في الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط بين الناس. إيطاليا بلاد السياحة الأولى في العالم كانت البوابة الرخوة للمرض في أوروبا حيث يفد الناس من كل بقعة على وجه الأرض، ربما كان مصدر المرض بلاد معينة ثم انتقل عبر السفر إلى بقاع أخرى. والصحيح أن اختلاط الناس كما قالت فتاة إيطاليا في أحد الفيديوهات المتداولة حول المرض هو أساس انتشاره. والإنسان الحيوان الاجتماعي عليه أن يدفع ثمن خطيئته الأولى التي جعلت منه مختلفاً عن كل المخلوقات الأخرى على وجه الأرض: إنه اجتماعي.

عندنا في فلسطين أيضاً وصل المرض مدينة السياحة الأولى بسبب وجود السياح والاختلاط. وهذا أمر طبيعي في ظل طبيعة انتشار المرض المشار إليها. أيضاً الأماكن المكتظة في المدن الكبرى. أسباب وظواهر مختلفة لكنها تشير إلى بعض الحقائق التي يجب أن تكون مؤشراً حول سبل احتواء المرض. في سياق شبيه، تخيلوا أن وسائل النقل المعاصر هي من سرّعت في انتشار المرض. فالفيروس الذي يمكن أن يكون مهده في مدينة أو قرية نائية في الصين بعد أيام كان في كل مكان بالعالم. إنها العولمة بوجه آخر.

فكما تنتشر المعلومات وكما تنقل الأموال بسرعة أيضاً الفيروس يركب مع المرضى في الطائرة ويصل إلى كل بقعة بالعالم. عولمة المرض ظاهرة أخرى من ظواهر عالمنا المعاصر. العولمة التي كانت دوماً موضع نقد ومدح لكنها ظاهرة لا يمكن تجاهل وجودها وتجاهل حقيقة أن خصائصها أبرز ما يميز حياتنا المعاصرة. يمكن الافتراض أن هذا المرض في أزمان أخرى ما كان ليكون بهذه القوة. لكن كل زمن وله مرضه وله ما يساعده. تذكروا الطاعون والكوليرا والإنفلونزا.

كلها في أزمانها كانت أكثر فتكاً وكلها كادت أن تجهز على البشرية، وفي كل مرة كان يعتقد أنها النهاية التي ستجهز على الجميع. لكن البشرية عظيمة بما يكفي حتى تتجاوز كل المحن. وربما في وقت قريب سيصبح الحديث عن الكورونا جزءاً من الحديث عن الماضي الأليم، لكنه فرصة للاحتفال بعظمة الإنسان ونجاح العلم. لكن، ولنعود للنقطة الأولى التي أثرناها، فإنه في عالم العولمة الحقيقي (هناك من سيجادلكم أن كل العصور كانت معولمة أيضاً)، فإن دول العالم فشلت في أن تعكس صورة متعاونة للبشرية العظيمة التي تسعي وتطمح لحكم كل العوالم الخارجية عبر اقتحام الفضاء.

فشل لا بد أن نقول: إنه معيب بحق الإنسانية. صحيح أن كل الدول منشغلة بآلامها، لكنه الألم الذي لا يحول دون تعاون مشترك وبناء بين الجميع لأن نهاية القصة ستكون مشتركة.

قد يهمك ايضا :  

صفقة ترامب والتحولات الدولية

أبو سيف يؤكد ان شعبنا قادر على تجاوز كل المحن والصعاب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كورونا وعالمنا المعاصر كورونا وعالمنا المعاصر



GMT 22:40 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:06 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر
 فلسطين اليوم - الفستق يعزز صحة العين ويسهم في الحفاظ على البصر

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday