أعاد حديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لرئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية بأن «الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة» الأذهان للزمن العربي الجميل الذي كانت فيه فلسطين هي البوصلة التي تحدد الطريق العربية وتقرير توجهات العرب. عبارة هواري بومدين الشهيرة التي يحفظها كل فلسطيني غابت كثيرا عن الخطاب السياسي
العربي في العقود الثلاثة الأخيرة. صحيح أن الكثير من الأنظمة العربية ومنذ النكبة الفلسطينية حاول أن يسرق القرار الفلسطيني ويسطو على حق الفلسطينيين في تمثيل انفسهم لكن هذا زمن قد انتهى. وربما أن مثل هذه الاستعادة الجميلة من الزمن الجميل تغدو أكثر أهمية في ظل تفكك الحالة العربية وتصدع الموقف العربي وتعذر الحديث عن
موقف عربي حقيقي. يترافق هذا مع حالة التراجع الجديدة في الموقف العربي بعد لقاء نتنياهو رئيس المجلس السيادي في السودان وتأكيد الأخير للخبر عن اللقاء بل والحديث عن أهمية العلاقة مع إسرائيل. وقد يقول لئيم إن المستفيد الأكبر من الثورة في السودان هي إسرائيل مع ضرورة التأكيد على أهمية التحول الديمقراطي في حياة الشعوب. لكن
يبدو أن المهم هو التحول في العلاقة مع إسرائيل وليس التحول الديمقراطي. عموما أن ما جرى لا يبدو هينا وبحاجة لإعادة طرح السؤال حول الموقف العربي الموحد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ودعم التعامل معه كأنه صراع بين طرفين حيث تقف الدول العربية على الحياد، هذا أخطر ما في الأمر. نتنياهو يستغل مثل هذه الاختراقات لتحسين
وضعه الانتخابي، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن نتنياهو ومنذ أكثر من عقد وهو يعمل على تطوير علاقات إسرائيل مع الدول العربية وتحدث كثيرا عن علاقات ولقاءات سرية مع بعض الدول ووعد بالكشف عنها. ولا يمكن تخيل أن اللقاء المذكور تم صدفة أو في مقصورة قطار بين مسافرين. كما أن نتنياهو وضع نصب عينيه تمتين علاقات إسرائيل مع
القارة السوداء ونجح بطرق مختلفة في إحداث تحويلات في تلك العلاقة التي ربطت إسرائيل بدول كثيرة مستغلا التكنولوجيا الإسرائيلية خاصة في مجال الزراعة والمساعدة في تطوير مؤسسات الدول الآيلة للسقوط وبالتأكيد تجارة السلاح. وفي كل الأحوال، فإن إسرائيل التي كانت تشتكي قبل أقل من عقد من الزمن من محاولات نزع شرعيتها
وفرض العزلة عليها باتت تكسب في جبهات كثيرة. ومع هذا فإن نجاحات الدبلوماسية الفلسطينية راكمت الكثير من الصعاب في طريق تل أبيب خاصة في المؤسسات الدولية مع إيلاء القيادة الفلسطينية الكفاح الدبلوماسي أهمية متعاظمة. وتنامي حركات المقاطعة لإسرائيل في الأوساط الشعبية في أوروبا مازال يقلق إسرائيل يوما بعد آخر. لكن ثمة
ما يقلقنا أيضا ويجب العلم على تقليله والقضاء عليه. أنه الشق المتعلق بالموقف العربي الواضح والتصريح الرافض لصفقة نتنياهو وتثبيت المواقف العربية في صف واحد لصالح إسناد الموقف الفلسطيني لا أن نرى الدول العربية تفتح بواباتها لإسرائيل ويكون تطبيع العلاقات بدل تمكين الموقف العربي الموحد لإفشال محاولات تصفية القضية
الوطنية الفلسطينية. ويبدو حال الموقف الفلسطيني للعرب: نحن لا نطلب منكم ان تواجهوا أميركا وراعي البقر الأهوج ولا تقاتلوا لصد مؤامرته، لا نطلب أن تقاتلوه أو حتى أن تصرخوا في وجهه. نحن نفعل هذا وأكثر لكن على الأقل لا تقولوا له «نعم». لا تطيعوه وتباركوا صفقته البائسة. وربما أن ثمة ترددا عربيا في قول «لا» كي لا يغضب
راعي البقر وحتى لا يستشيط غضبا ويصب عليهم بعض لعناته دون أن يعني موافقتهم على مقترحاته. وهم ليسوا بحاجة لسل سيوفهم في مواجهة أحد لأن زمن السيوف العربية قد ولى للأسف منذ ترك الفلسطينيون وحيدين في زمن التحالفات الكبيرة والتكتلات العابرة للجغرافيا. والحالة العربية لا تحتمل للأسف مشاريع توحيد المواقف أو
الاصطفاف المشتركة في معارك كبرى ترفع من شأن العرب وتعيد لهم هيبتهم المفقودة في زمن التمزق العربي. ومراجعة سريعة للتاريخ العربي الحديث والمعاصر تكشف كيف كانت فلسطين هي باروميتر النبض العربي وهي التي تقود المشروع العربي الكبير، وحين غابت فلسطين وتراجعت في أجندة الدول العربية غابت عن هذه الأخيرة
الأحلام الكبرى. لقد كانت فلسطين دوما هي مشروع العرب الكبير وهي حلمهم الجميل. وحين غابت فلسطين غاب الحلم العربي وتراجعت التطلعات العربية وتراجع الحال العربي بشكل غير مسبوق. وفي كل الأحوال فإن السياقات العربية شهدت تحولات كبيرة ارتبطت أيضا بالتحولات الكبرى التي ضربت السياسة الدولية. ومع هذا فإن البحث
عن موقف عربي مشترك يتعلق بالقضية الفلسطينية يجب إلا يتوقف إذ إن حماية هذا الموقف والحفاظ عليه يبدو مهما للحفاظ على القضية الفلسطينية وحماية الحالة العربية. قد يصدق العرب أن أطماع إسرائيل ومشاريعها التوسعية قد توقفت عند فلسطين، وقد يطيب لهم تصديق وهم السلام الكبير مع إسرائيل الذي يجلب لهم بعض المكاسب الآنية فيما
يمس الدولة العربية القطرية في عصب نموها وتطورها. بيد ان العمل الدؤوب لحماية الموقف العربي يجب ان يظل أولوية وألا يغيب عن الفعل السياسي الفلسطيني والأهداف المخصصة لذلك. وطبيعة الحال ان هذه الأهداف يجب ان تشمل حماية مواقف الدول الصديقة وتلك التي كانت دائما مع الحقوق الفلسطينية خاصة في إفريقيا حيث
يعمل نتنياهو على تحقيق مكاسب سياسية واختراقات وربما ان الحقيقة انه حقق الكثير من الإنجازات في ذلك. فلا يجب ان نغمض أعيننا عن هذا الجانب المهم فلا نبحث عن مكاسب في ساحات ونخسر ساحات أخرى خاصة ان تلك الساحات الأخرى كانت وعلى مدار الصراع حامية ومؤازرة للموقف الفلسطيني.
قد يهمك أيضا
قلم ترامب والقلم الفلسطيني
هل كان هناك «ربيع عربي»؟