د. عاطف ابو سيف
إنها السنة العاشرة على رحيل الزعيم ياسر عرفات، بما مثله من قيمة ومركز وعامود للخيمة، وبما بث من روح وصاغ من جسد الحركة الوطنية.
وهي ذكرى مؤلمة حقاً، مثل كل ذكرى القادة العظام والزعماء التاريخيين. وعرفات الفلسطيني الأول والزعيم الأول، وأبو الوطنية الفلسطينية، سيظل وكلما تقدم الزمن يحظى بالمزيد من التقدير والمحبة، مثل كل الأشياء الثمينة كلما مر عليها الدهر زادت ثمناً.
ويمكن للمرء أن يقف عمراً وهو يعدد مناقب الرجل ويتحدث عن دوره في صياغة شخصية كل فلسطيني منا، فيندر أن تجد أحداً ليس لديه قصة مع عرفات أو عن عرفات أو حوله، إنه الفلسطيني في داخلنا وسر الرائحة في كنهنا.
بالطبع ليس هذا للتذكير، فعرفات البصمة الوراثية للحركة الوطنية وذكرى رحيله في اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر يوم لا ينسى وربما كان أهم يوم يتذكره الفلسطينيون بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة. ولكن ما لفت انتباهي هو جدول الفعاليات الذي أعلنت عنه مؤسسة ياسر عرفات في مثل هذه الذكرى العظيمة، وهو جدول متواضع على كل حال ولا يرتقي لمستوى الحدث ولا مكانة المحتفل به والمبكي على ضريحه صباح مساء، ثمة جملة من الملاحظات واجبة هنا تتركز في أكثر من اتجاه.
الأول هو غياب مؤسسة ياسر عرفات عن كل المكان الفلسطيني إلا موقعها في رام الله.
بالطبع هذا يشير إلى الشتات وإلى قطاع غزة، بخصوص الاخير فإن المؤسسة غير موجودة بأي حال من الاحوال في القطاع الذي شهد قسطاً كبيراً من طفولة عرفات أو من زعامته بعد العودة إلى أرض الوطن أو خلال ذلك من عمله السري.
المؤسسة كأن غزة لا تعنيها في ذلك، فلم نسمع قبل ذلك عن نشاطات لها في القطاع خلال السنوات الماضية، وكنت ممن تحدث على صفحات الأيام حول الجرائم التي يقدم عليها بعض تجار الانقسام في غزة ببيع ميداليات وانوطة وأشياء عرفات الشخصية في سوق فراس.
وتحدثنا مرة ثانية عن كيف حول الانقسام منتدى ياسر عرفات إلى كافيه على شاطئ البحر، المنتدى الذي شهد أولى جلسات القيادة الفلسطينية على أرض الوطن، المنتدى الذي كانت ترحل عيون ياسر عرفات منه إلى امواج يافا وعكا وتبرق عيناه شرقاً نحو القدس، تدمر ولم يحتج أحد، ولم تتم حتى الآن المطالبة باستعادة المنتدى حتى لو كان قطعة أرض، حيث يجب استردادها وبناء مبنى بنفس شكل وهندسة المنتدى وتحويله لمتحف شخصي لياسر عرفات أو لحقبة من حياته.
صديق لي شكى أنه حصل على ساعة روسية لياسر عرفات من سوق فراس لا يعرف ماذا يفعل بها!!
حتى ساحة السرايا التي خرج الناس إليها احتفالاً بالذكرى الثامنة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة ثورة ياسر عرفات ورفاق دربه، والتفوا يهتفون بحياته، وأطلقت عليها وقتها الجماهير ساحة الشهيد ياسر عرفات تحولت للأسف قبل سنة إلى سوق تجارية، ولم يلتفت أحد إلى ضرورة وقف هذه الاعتداءات المعنوية والمادية على تراث وحضور ياسر عرفات.
ولا أظن أن فلسطينيا سيرفض أن يتم الحفاظ على تلك الساحة التي شهدت أكبر رفع لصور ياسر عرفات في النصف قرن الماضية، وتخليد اسمه فيها في حفل وطني مهيب.
تذكروا يا سادة أن لا شيء في غزة يحمل اسم ياسر عرفات إلا محبة الناس وأسماء بعض الأطفال والذكريات، فلا يوجد شارع مركزي في المدينة باسم الرجل، والدول تغير من أسماء شوارعها لتمنحها لأسماء أكثر إجلالاً وأهمية في تاريخها، فلماذا لا نفعل ذلك.
عرفات الذي رفض تسمية المطار ولا تسمية الجامعة باسمه تواضعاً، لم يجد من ينتصر لتواضعه بعد رحيله.
طبعاً مؤسسة ياسر عرفات لا علاقة لها بالأمر أو كأنه لا يعنيها.
المهم في جدول الفعاليات ثمة فعاليات متنوعة في أماكن مختلفة وثمة أكثر من فعالية في اكثر من مدينة، أما نصيب غزة وعلى استحياء فكان اقتراحا بإقامة فعالية مركزية في غزة يوم 11/11.
بالطبع فإن أقل شيء يمكن أن يليق بياسر عرفات هو أن تخرج غزة على بكرة أبيها يوم 11/11 بقدها وقديدها بشيبها وشبابها لتقول نحن مع ياسر عرفات وفكرة ياسر عرفات، وهذا لن تقوم به المؤسسة بل ستقوم به إن تم حركة فتح والحركة الوطنية.
وعلى فتح أن تباشر من اليوم بهذه المهمة بالتعاون مع القوى الوطنية والإسلامية حتى يسمع العالم أن شعباً نهض من رماد النكبة لن يموت وأن جسد عرفات تحت الثرى يمد تراب الأرض وجذور زيتونها بالحياة.
وعليه فإن المستنتج أن المؤسسة لا تنوي فعل أي شيء في غزة، وباستثناء اجتماع يتيم عقد في غزة حضره أعضاء مجلس أمناء المؤسسة من غزة مع بعض الشخصيات الوطنية فإن أحداً لا يعرف شيئاً عن الأمر، حيث إن الفعاليات الوطنية والمجتمعية والنقابات وغيرها من صحافيين وكتاب وفنانين ومسرحيين لا يعرفون شيئاً في غزة.
وكل هؤلاء لهم مؤسسات ونقابات واتحادات في غزة، ولكن هل سأل أحدكم عن خلاصات اجتماع غزة: حفل استقبال للفصائل في مركز رشاد الشوا: رحم الله ياسر عرفات!!!
خلاصة القول إن الإعداد لذكرى مهمة كهذه في أوقات حساسة مثل تلك التي نعيشها كان يمكن أن يكون تجسيداً للوحدة الوطنية وتعزيزاً لتطلعات شعبنا الذي يخوض حروباً شرسة في الساحات الدولية وعلى الأرض، لا أن يمر مرور الكرام وان الحدث مجرد ذكرى "وبتمر".
وإذا كان الوقت سيفاً، فإن حقيقة فكرة أنها الذكرى العاشرة قد يعطي متسعاً من الوقت حتى يتم ترتيب النشاطات، وحتى تعاد صياغة نشاطات وفعاليات وأهداف المؤسسة بما يجعلها مؤسسة أبو الوطنية الفلسطينية وبما يليق به وبمكانته، وبذكراه المؤلمة على قلوبنا.
فياسر عرفات ليس إرثاً وحسب، وليس نشيدنا الوطني وحسب، وليس صورتنا عن أنفسنا وحسب، إنه كل متداخل وبعض متفرق، فلا يمكن اختزاله.