طلال عوكل
يبدو للبعض أن حماسة بنيامين نتنياهو لاستصدار تشريع من قبل الكنيست يطابق بين القومية والدين، وكأنه نموذج لأنانية السياسي، الذي يمكن أن يفعل كل شيء وأي شيء، لضمان بقائه على رأس السلطة. هذا صحيح بالنسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي يواجه تحدياً كبيراً داخل حزبه من قبل كتلة داني دانون المتطرفة، ويسعى إلى استعادة مكانته كزعيم لليكود، من خلال المزايدة على اليمين المتطرف، بتطرف أشد لتقويض القاعدة التي يقوم عليها تكتل دانون. لكن السؤال يذهب إلى ما هو أبعد من الدوافع الشخصية لنتنياهو، فموضوع استراتيجي خطير من نوع إقرار الطابع اليهودي للدولة، يستجيب للاتجاهات المتطرفة السائدة في المجتمع، كما في المشهد السياسي الحزبي. في هذه المرحلة تتزايد نسبة المتدينين الشرقيين، المعروفين باهتمامهم بمسألة الإنجاب الكثير ومع تزايد نسبتهم في المجتمع يتراجع حجم ودور ومكانة العلمانيين واليهود الغربيين، الذين يفضلون تحديد النسل، إلى أن يصبحوا الأغلبية في المجتمع. كما أخذت كتلة المستوطنين، الذين تتزايد أعدادهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ليشكلوا جزءاً فاعلاً في التأثير على سياسات ومواقف الأحزاب، وهو أمر يتضح تأثيره اليوم على تركيبة الحكومة الإسرائيلية، فما بالنا غداً حيث تتسع وتتصاعد حمى الاستيطان في القدس والضفة الغربية؟.
وإذا كانت بعض الأحزاب المعارضة، والمشاركة في الحكومة ممن يُعرّفون أنفسهم باليسار، وبالوسط السياسي، مثل حزب العمل، و"يوجد مستقبل"، وكتلة تسيفي ليفني، يحذرون من أن إقرار هذا القانون سيقضي على الطابع الديمقراطي للدولة، فإن أي تحليل موضوعي، سيضيف على هذا الاستنتاج أبعاداً أخرى لا تقل خطورة.
بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أشار بجرأة الى أن إقرار هذا القانون يعني إغلاق الطريق أمام حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وينهي إمكانية تحقيق رؤية الدولتين، بما أنه يعني أن السياسة الإسرائيلية تتجه نحو تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى الذي يشمل كل أرض فلسطين التاريخية، فضلاً عن أن القانون ينهي وثيقة الاعتراف المتبادل.
بيان اللجنة التنفيذية للمنظمة ربما يمتنع قصداً عن الإشارة إلى أن هذا القانون، ينطوي على مخطط إسرائيلي لا يتوقف عند حدود رفض حق عودة اللاجئين، وإنما يتجاوزه لطرد الفلسطينيين المتشبثين بأرضهم في مناطق 1948، ويشكلون نسبة 20% من مواطني دولة إسرائيل.
هؤلاء عملياً يخضعون كل الوقت لإجراءات وقوانين عنصرية، ويتم التعامل معهم، كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، فكيف سيكون عليه الأمر بعد إصدار هذا القانون؟
القانون عملياً يُحوّل دولة إسرائيل إلى دولة عنصرية، تلزم حكوماتها باتباع سياسة تطهير عرقي، أو إبادة جماعية كما يحصل اليوم في مدينة القدس التي تتعرض وأهلها إلى مخططات عملية تستهدف معالمها الحضارية التاريخية ووجودهم فيها.
منذ فترة طويلة، وحتى حين كانت هناك مفاوضات لم تتوقف إسرائيل عن التصريح بأنها تنظر للضفة الغربية على أنها "يهودا والسامرة"، وبأن القدس هي عاصمتها الموحدة الأبدية، وها هي اليوم تؤكد عبر هذا القانون الذي يحظى بدعم ستة عشر وزيراً، بأن إسرائيل تقطع مع كل خيار التفاوض والبحث عن السلام.
كان من المفروض أن تبادر القيادة الفلسطينية إلى الإعلان عن فشل خيار المفاوضات، وبأن إسرائيل ومن يقف وراءها، ويدعمها هم المسؤولون عن فشل هذا الخيار، والعودة إلى مربع الصراع والاشتباك الواسع. لقد سبق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون القيادة الفلسطينية بإعلانه أول من أمس عن فشل الجهود الجماعية الدولية في التوصل إلى تسوية، ما يعني أن المجتمع الدولي يدرك هذه الحقيقة، التي تضع حداً للمحاولات الأميركية الفاشلة التي تستهدف إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات.
التوصل إلى هذه الحقيقة وإعلانها والبناء عليها فلسطينياً يعني رفض محاولات الإدارة الأميركية، لاستئناف المفاوضات، بعد أن تكون اسرائيل قد أقرت هذا القانون، إذ ان مثل هكذا مفاوضات ستشكل غطاءً لممارسات إسرائيل العنصرية، ولإمعان إسرائيل في تنفيذ المزيد من المخططات الاستيطانية والتهويدية.
مشروع القانون الإسرائيلي بشأن يهودية الدولة، يخلق مناخات جديدة، تفتح الأبواب مشرعة أمام الصراع، الأمر الذي يُلقي على كاهل القيادات والفصائل الفلسطينية التفكير والعمل بطريقة مختلفة ووفق خيارات واستراتيجيات مختلفة عما سبق.
لا نريد استباق الأحداث المرتبطة بخيار التوجه إلى الأمم المتحدة وماهية ردود الفعل الأميركية والإسرائيلية على مثل هذا الخيار، والتي ستؤدي إلى تأجيج الصراع، ولكن إذا كان أيسر الخيارات، خطيراً بالنسبة للفلسطينيين، فإن قيادات العمل الوطني تتحمل مسؤولية تاريخية إزاء استعادة الوحدة الوطنية، والقفز عن كل الخلافات التي أدت إلى فشل المصالحة، واستمرار حالة الانقسام.