مريض يشكو وطبيب غافل
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

مريض يشكو وطبيب غافل

 فلسطين اليوم -

مريض يشكو وطبيب غافل

بقلم: طلال عوكل

ربما كان على الفلسطينيين أن يسألوا أنفسهم عما إذا كانت الأرض، تشكو أمورها، وأن يتتبعوا عناوين الشكاوى ومصادرها وأسبابها، عسى أن يكون ثمة علاج لشكواها.

بعد أربعين عاماً على اندلاع انتفاضة الأرض من قبل الفلسطينيين في قرى المثلث، وكل الفلسطينيين يحيون تلك الذكرى بأشكال تتناسب مع حالة النهوض أو الهبوط الثوري الفلسطيني، ولذلك فإننا لا نتوقع في مناسبة أربعة عقود على تلك الذكرى أن تكون الفعاليات متعاكسة مع الوضع المتردي الذي يعاني منه العمل الوطني الفلسطيني منذ سنوات وحتى الآن.

ومع أن الحظ قد يسعف الفلسطينيين هذا العام بما أن هذه الذكرى تأتي في ظل انتفاضة تنهي شهرها السادس، وهي لا تزال مستمرة وصاعدة، ما يرجح أن تكون الفعاليات الانتفاضية، مختلفة عن الأعوام الكثيرة السابقة، إلاّ ان مثل هذه الفعاليات، ليس مقدراً لها أن تعكس ذاتها، في اتجاه التأشير على أن الفلسطينيين، والعمل الوطني، قد غادر مرحلة التردي والانقسام والضعف.

الأرض تشكو منذ بداية القرن الماضي، من مؤامرة إمبريالية استعمارية صهيونية، تهدف إلى تغيير ملكيتها وهُويتها وتاريخها، وعلى الرغم من أن المؤامرة نجحت إلى حد كبير ولكن ليس نجاحاً ساحقاً، ذلك أن الأرض لم تكن صحراء خالية، وهي ليست القرية التي يزمع الاتحاد الأوروبي إقامتها على سطح المريخ. قد بقي جزء يعتد به من حراس الأرض، يقاومون تهويدها، وتزوير تاريخها، بكل ما لديهم، وما يتاح لهم من أشكال وأسباب المقاومة، إلاّ أن الأرض كل الأرض لا تزال تشكو، بل تصرخ وتستصرخ حراسها، أن يظلوا يقظين لا يستسلموا، أو يغفوا من تعب الأيام، حتى لا تتسلل القوى المتآمرة لتصادر ما تبقى منها.

حراس الأرض، لم يناموا ولم يستسلموا، وأكثروا من الحراس، ومن أشكال الدفاع عن الأرض، حتى كانت صرختهم مجلجلة قبل أربعين عاماً. قبل أربعين عاماً كان الشعب الفلسطيني كله في كل أماكن تواجده، يناضل من أجل استعادة كل الأرض التي تعرضت للسرقة جهاراً نهاراً وتعرضت للاغتصاب. لم تكن أرض فلسطين هي الضفة الغربية بما في ذلك القدس، وقطاع غزة، ولم يكن ثمة فارق بين رام الله وتل الربيع، أو غزة والنقب. اليوم لا ينكر الإسرائيليون أن الشعب الفلسطيني موجود، ولكنهم ينكرون أنه صاحب الأرض، وأن له حقوقاً عليها، ولسان حالهم يقول، وفعلهم وممارساتهم تؤكد أن حقوق الشعب الفلسطيني ينبغي أن تكون بين أهليهم العرب.

إنهم لا يكتفون بما سرقوا، فهم لا يريدون أن يجدوا على أرض فلسطين سوى اليهود، واليهود فقط، وما زالوا يتطلعون لأن يستعيدوا بحسب روايتهم المزورة، أرض «يهودا والسامرة» بعد أكثر من عشرين عاماً، من المحاولة، بذل خلالها الفلسطينيون كل ما أمكنهم، لإقناع أو إرغام الإسرائيليين على الاعتراف بحق مقزم يقيم عليه الفلسطينيون دولتهم ويبلورون هويتهم الوطنية، بعد كل هذه السنين يصر الإسرائيليون على العودة بالصراع إلى بداياته الأولى، صراع حول كل الأرض، وحول كل التاريخ فإما هذه الهوية أو تلك، إما هؤلاء من يملكون أو أولئك الإسرائيليون لا يدركون أنهم الخاسرون جراء إعادة الصراع إلى مربعه الأول، فالأرض لا تتقن إلاّ لغة الضاد ولا تلبس إلاّ الأزياء التراثية الفلسطينية، وانها ليست مستعدة لأن تجاري خصائص الغناء الحديث، لأنها لا تحفظ سوى أغاني جفرا، ودلعونا، ولا تجيد العزف إلاّ على الأرغول والطبلة.

على أن الأرض، لا تشكو فقط مما يفعله المحتلون، الذين تتستر عليهم، القوى الإمبريالية الاستعمارية التي شجعت ودعمت وحمت فعل اللصوصية، بل ان شكواها الأمر، هي من أهلها ومن حراسها التاريخيين، ذلك أن ظلم الأقربين دائماً أشد مرارة. أكثر من عشرين عاماً، وهم لم يتوقفوا عن سرقة الأرض، والبيوت والمقدسات، ويمعنوا في تغيير هوية القدس، لكن الأهل والحراس غافلون، وما زالوا لا يدركون، أو انهم يدركون لكنهم لا يفعلون ما يستحق لمواجهة حقيقة العودة إلى المربع الأول.

الفلسطينيون غارقون في انقساماتهم واختلافاتهم، وصراعاتهم، على سلطات وهمية، ويصرفون من الطاقة والوقت في صراعاتهم الداخلية، ما يسهل سرقة المزيد من الأرض.

يحتار الفلسطينيون في تحديد استراتيجيات وأهداف واقعية وموضوعية تتناسب مع ما يذهب إليه المحتلون، فيما يمضي الوقت سعياً وراء مراهنات خاسرة، والطامة الكبرى هو أنهم يعرفون أن هذه المراهنات خاسرة، لكنهم مصرون على مراهناتهم إلى أن تفلس جيوبهم. في أيام كهذه ينبغي على المسؤول الفلسطيني أن يسأل عن شكوى الأرض، وأن يبحث عن علاج، حتى لو كان من نوع المسكنات، ففي أقل تقدير يمكن للمسؤول الفلسطيني أن يكتفي بتعزيز صمود أهل الأرض على كل شبر تبقى من الأرض، لأن الأرض لا قيمة لها بدون أهل يعمرون عليها، وعليها يصنعون الحياة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مريض يشكو وطبيب غافل مريض يشكو وطبيب غافل



GMT 10:35 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

أميركا وإسرائيل: ظاهرتان متشابهتان

GMT 12:44 2020 الإثنين ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ثمّة متسعٌ للمزيد

GMT 09:19 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أهْلِي وإن ضَنُّوا عليَّ كِرامُ

GMT 07:18 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

لبنان وحيداً في لحظة بالغة الصعوبة

GMT 09:12 2020 الخميس ,30 تموز / يوليو

صراع علاقات القوة في الغربال

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 03:11 2015 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحقيبة الصغيرة مكملة لإطلالة المرأة الجميلة في سهرات 2016

GMT 10:00 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

أسباب غير متوقّعة تؤدّي إلى تأخّر الإنجاب

GMT 12:10 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

فيفي عبده تحرص على حضور عزاء الفنان سعيد عبد الغني

GMT 03:33 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

"حماس" تخطط لإعادة فتح معبر رفح والقاهرة لا تعقب
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday