ليس زمن نكء الجراح
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

ليس زمن نكء الجراح ...

 فلسطين اليوم -

ليس زمن نكء الجراح

طلال عوكل

لم يكد سكان قطاع غزة يصدقون، أن ما يجري هو وقف طويل لإطلاق النار وليس هدنة إنسانية مؤقتة، حتى انفجرت في وجوههم التناقضات الفلسطينية من جديد، لتضيف إلى مخاوفهم من عودة إسرائيل إلى عدوان جديد، مخاوف من عودة الانقسام والصراع، وإن بأشكال وظروف مختلفة.
خلال العدوان الإجرامي الأخير الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، كان العزاء الأهم للغارقين في دمائهم ودمارهم، هو وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة الوفد الفلسطيني والموقف من العدوان ومن المطالب الفلسطينية المحقة.
كان الغارقون في دمائهم يعرفون مدى قدرة عدوهم على المراوغة، ومدى تطرف موقفه من الحقوق الفلسطينية الأساسية وغير الأساسية، السياسية والإنسانية، وكانوا يعرفون، أنه لن يرضخ للمطالب الفلسطينية، ولن يضع حداً لعدوانه إلاّ بعد أن يرتوي من دماء الفلسطينيين ودموعهم، ولكنهم كانوا مطمئنين وسعداء لوحدة وفدهم الوطني الموحد، الذي كان بحد ذاته مؤشراً قوياً على فشل أهداف العدوان الإسرائيلي، الذي أراد تدمير المصالحة وإبقاء حالة الانقسام.
في إسرائيل، ما أن توقفت آلة القتل والدمار عن الدوام، حتى انفجرت التناقضات في صفوف الائتلاف الحكومي، وخارجه، ومثل هذه الحال لا تكون إلا عند الشعور بالفشل، أو الهزيمة.
الجمهور الإسرائيلي، بأغلبيته قال إن الجيش فشل في تحقيق الأهداف، وهو حكم نادر في تاريخ الحروب الإسرائيلية العربية، أما السياسيون فقد ألقى كل طرف بالمسؤولية على الطرف الآخر، وتبادل هؤلاء مع المؤسسة العسكرية والأمنية الاتهامات بالمسؤولية.
حين يكون الجيش وهو البقرة المقدسة، موضع اتهام بالفشل، وبفقدان أو تآكل قدرته على الردع، وعلى حماية المستوطنين، يكون ذلك عنوان أزمة بل كارثة كبرى في إسرائيل والأمر مفهوم تماماً.
تتفرد إسرائيل بين الدول تاريخياً، بأنها دولة صنعها الجيش، ابتداء من العصابات الإرهابية التي خاضت قبل العام 1948، حرب تهجير الفلسطينيين، والتي شكلت النواة الصلبة للجيش، انتهاء بأن قوة هذا الجيش هي الضمانة الوحيدة لبقاء الدولة.
تاريخياً، تنشئ التجمعات البشرية، والسلطات الحاكمة جيوشها للدفاع عن ملكياتها وحدودها الوطنية، أو لشن الحروب على غيرها من الدول تحقيقاً لأطماعها، وتنشئ أدوات ووسائل قمعها الداخلية لحماية سلطاتها من التمردات الداخلية، ولكن لا ينشأ الجيش ثم يقوم بوظيفة إنشاء وتجميع مجتمع، وإقامة دولة كما هي حال إسرائيل.
المصيبة كبيرة هناك داخلياً، والمصيبة كبيرة خارجياً حيث تعاني إسرائيل من عزلة متزايدة، ومن تراكم الإساءة لسمعتها، ووجودها ودورها، حتى يخجل حلفاؤها من الدفاع عنها.
مثل هذا الوضع الذي تعاني منه إسرائيل، يشكل موضوعياً فرصة كبيرة للفلسطينيين، الذين عليهم أن يواصلوا الضغط، وأن يوسعوا دائرة ووسائل الاشتباك السياسي، من أجل تعميق التناقضات الداخلية في إسرائيل، ومن أجل تعميق عزلتها على الصعيد العالمي.
هي فرصة أمام الفلسطينيين، لتطوير هجومهم السياسي، والانتقال من دائرة البحث عن المطالب، إلى دائرة البحث عن الحقوق الوطنية الأساسية دون التخلي عن المطالب التي تتعلق بحياة الناس.
هي فرصة للإمساك بزمام المبادرة، وجعل إسرائيل في دائرة الأزمة، ودائرة ردود الفعل، والضغط على المجتمع الدولي الذي عليه أن يتحمل مسؤولياته ولو من باب حرص هذا المجتمع على مصالح إسرائيل.
خلال الأيام الأولى لتوقف العدوان، كنا نتباهى بوحدتنا الوطنية، وتماسك الحال الفلسطينية مقابل تفكك الوضع الإسرائيلي واستشراء التناقضات في صفوف الإسرائيليين، غير أن هذا الشعور الجميل أخذ يتبدد ليترك المكان للمخاوف من جديد.
لقد استعجلت اللجنة المركزية لحركة فتح، في نبش ملف الخلافات الفلسطينية وكنا نعتقد أن عملية النبش هذه ستتأخر ولو قليلاً، ولو من باب مراعاة ظروف الناس في قطاع غزة، إن لم يكن لأسباب سياسية تتعلق بكيفية التعامل مع العدو الإسرائيلي ومخرجات وتداعيات عدوانه الإجرامي.
لسنا هنا بصدد الخوض، في مسؤوليات الطرفين حماس وفتح، وفي سلوك كل منهما تجاه الآخر، خلال مرحلة العدوان الطويل على قطاع غزة، فقد يكون لدى كل طرف قائمة من التجاوزات التي ارتكبها الطرف الآخر، وكنا نعتقد أن ثمة ما يوجب المراجعة الجادة والحقيقية وذلك في إطار حوار وطني تفرضه الضرورة الموضوعية، لمجابهة تداعيات العدوان، وآثاره، وكان هذا الاعتقاد الخاطئ يقود إلى رغبة ذاتية في أن تكون أهداف العدوان، سبباً في اتخاذ المزيد من الخطوات على طريق المصالحة، واستعادة الوحدة. الملاومة والاتهامات في هذه الحالة لا تنفع أحداً، إذ انها لا تخلق معطيات سياسية غير المعطيات الموجودة على أرض الواقع، ومن خلال التفاعل معها سلباً أو إيجابياً يمكن تغييرها أو تعظيمها.
يخشى المواطن الفلسطيني، من أن تعيدنا هذه الاتهامات المتبادلة إلى المربع الأول، وإلى تأكيد حالة الانقسام والصراع، بعد أن استبشر خيراً بتوقيع اتفاقية الشاطئ وتشكيل حكومة الوفاق.
المواطن الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة، لا ينتظر الإغاثات الإنسانية من طعام وشراب ودواء، فهو لم يعط بالاً لكل هذا حين كان يواجه الموت والدمار.
لم نسمع عن مواطن استشهد أو قضى نحبه بسبب الجوع أو العطش، وبعض المواطنين عادوا إلى حياتهم "الطبيعية"، حتى بعد أن مكثوا تحت الأنقاض أياماً دون طعام أو ماء حتى جاءتهم فرق الإنقاذ.
المواطنون في قطاع غزة، انتظروا مجيء حكومة الوفاق الوطني لكي تباشر مسؤولياتها الوطنية، وتحمل أعباء مداواة جراحهم، وإعادة بناء حياتهم، ومعالجة الأزمات المتفاقمة التي يعانون منها. انتظر الناس، عودة الرئيس ترفرف فوقه، أعلام الوحدة، ويعتليها علم فلسطين، وانتظروا المزيد من الخطوات الملموسة والمبشرة، بطي صفحة الانقسام، وعودة الوحدة.
نعلم أن الأمر ليس على هذا القدر من البساطة والسهولة، ولكننا نعلم أن الإرادة الوطنية، يمكن لها أن تصنع المعجزات، حين تتوفر لدى كل الفاعلين السياسيين في بلادنا. هذا ليس زمن نكء الجراح، وإنما زمن مداواتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس زمن نكء الجراح ليس زمن نكء الجراح



GMT 11:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 11:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 11:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 11:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 11:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday