طلال عوكل
ليس وحده الفريق الفلسطيني المفاوض في القاهرة، من أدرك وربما مبكراً، أن الهدف الأول والأخير للجانب الإسرائيلي هو إفشال المفاوضات، وعدم السماح بتوقيع اتفاق هو السبيل لضمان الهدوء للمستوطنات الإسرائيلية في محيط ثمانين كيلومتراً حول قطاع غزة.
هذا يعني ان إطلاق ثلاثة صواريخ على المستوطنات القريبة من الحدود مع غزة يوم اول من أمس (هذا في حال صحة الخبر)، لم يكن سوى الذريعة، التي تنتظرها إسرائيل، وكانت بدونها، ستدفع المفاوضات نحو التوقف والفشل مؤقتاً. بعض التسريبات التي تحتاج إلى تدقيق، ترجع تعليق المفاوضات، وانفجار الوضع الميداني مجدداً، إلى عودة التدخلات من بعض الأطراف العربية (قطر) والإقليمية، التي تستهدف التخريب على الدور المصري، فإن كان هذا صحيحا أو غير صحيح، فإن ذلك، يتحقق على يد الطرف الإسرائيلي أساساً.
ثمة ما يدعو للاعتقاد بأن إسرائيل كانت قد قررت منذ بداية المفاوضات اعتماد تكتيكات تفاوضية، تستهدف استنزاف الوقت، وصولاً إلى إفشال المفاوضات.
في البداية عمدت إسرائيل إلى تجزئة التعامل مع المطالب الفلسطينية، فمنها ما هو معجل، ومنها ما هو مؤجل، وافق الفلسطينيون والمصريون على تأجيل بحث موضوعات المطار والميناء، والإفراج عن أسرى وجثث الجنود الإسرائيليين الموجودين بيد المقاومة، إلى مفاوضات تبدأ بعد شهر. أما القضايا المعجلة، فقد عمل الوفد الإسرائيلي على تعليق كل قضية منها بآليات وشروط، وأجندة زمنية مفتوحة، تبقى بيد إسرائيل المبادرة لتنفيذها، أو التراجع عنها.
ومرة أخرى أبدى الطرفان الفلسطيني والمصري مرونة كافية لقطع الطريق على المناورة الإسرائيلية، الأمر الذي دفع الوفد الإسرائيلي إلى الهروب من ساحة التفاوض، نحو تفعيل القصف المكثف، رداً على ما يقال عن صواريخ ثلاثة أطلقها الفلسطينيون قبل نحو سبع ساعات من انتهاء موعد مهلة اليوم الأخير.
كان يمكن أن تتجاوز إسرائيل مسألة إطلاق الصواريخ، أو أن تكتفي برد محدود، لو أنها كانت ترغب في التوصل إلى اتفاق، ولكنها قامت برد واسع، حين قامت بقصف أكثر من مئة موقع في مختلف أنحاء القطاع، أدى إلى سقوط أحد عشر شهيداً، ونحو مئة جريح، خلال ساعات محدودة.
خلال ساعات التصعيد، استهدفت الطائرات الإسرائيلية، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، محد ضيف وعائلته، الأمر الذي يفضح المراوغة الإسرائيلية. كانت إسرائيل ترغب في التغطية على فشلها، وهزيمتها، وقلب طاولة المفاوضات، من خلال ما تعتقد أنه عملية خارقة، كبيرة باستهدافها الضيف وعائلته، ولكن ذلك أيضاً ينطوي على دوافع تصعيدية، يستلزمها الوضع الداخلي الإسرائيلي، الذي بدأ يعاني من ارتدادات فشل العدوان على قطاع غزة.
التصعيد محاولة لتصحيح ما لم يمكن تصحيحه، فإنجازات الميدان لا تزال ماثلة والمقاومة جاهزة ومعها الناس، للتعامل مع كل الخيارات بما في ذلك، خيار الاستنزاف الذي تكره إسرائيل أن تواجهه.
مرة أخرى ومرات، ينبغي لإسرائيل أن تتذكر، بأن الناس في قطاع غزة، لم يعد لديهم ما يخسرونه، وانهم لا يقبلون بأي حال أن تستمر حياتهم كما كانت عليه قبل وخلال العدوان، فلقد حولت إسرائيل حياتهم إلى جحيم لا يطاق، جحيم تخطئ إسرائيل ان اعتقدت، انهم يمكن أن ينفجروا للتخلص منه، في وجه المقاومة، وستظل إسرائيل المحتلة هي عنوان كل فعل فلسطيني، اليوم وغداً.
من الواضح، أن نتنياهو، لم يعد يملك القدرة على اتخاذ قرار في حكومة متطرفة، معظم أقطابها من أغرار السياسة، لا يعرفون ما الذي ينتظرهم وينتظر إسرائيل غداً بسبب سياساتهم ومواقفهم الرعناء، هذا لا يعني أن نتنياهو بريء من الدم الفلسطيني، أو انه العاقل الذي لا يساعده حلفاؤه على ضمان أمن وسلام إسرائيل. لقد أثبت نتنياهو على مدار الفترات التي تحمل خلالها المسؤولية الأولى انه بالنسبة للإسرائيليين، أسوأ رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل، فلقد قادها منذ سنوات نحو المزيد من العزل، وإلى الاشتباك مع حلفاء إسرائيل التاريخيين المخلصين.
تغتاظ إسرائيل، أيما غيظ من وحدة الموقف والوفد الوطني الفلسطيني ولقد سعت كل الوقت، لخلق وتأجيج التناقضات بين أطراف الوفد، وبين الوفد ومصر، ذلك انها تفضل التعامل تفاوضياً مع حماس، لأن ذلك يمكنها من تدمير المصالحة، وإبقاء حالة الانقسام.
الوفد الفلسطيني الموحد، حافظ على وحدته وتماسكه وتمسكه بالمطالب الفلسطينية، وكان ذلك، الإنجاز السياسي الأهم خلال مرحلة التفاوض وهو أمر يعزز مصداقية توجه كافة الفصائل نحو تحقيق المصالحة.
أرادت إسرائيل أيضاً أن تتجنب التوقيع على اتفاق، يحقق للفلسطينيين إنجازات سياسية، تعكس إنجازات الميدان، وتعوض الفلسطينيين عن جزء من الثمن الذي تكبدوه من أجل حريتهم.
اتفاق يحقق للفلسطينيين إنجازات سياسية، سيكون اعترافاً إسرائيلياً بفشل وهزيمة العدوان الإسرائيلي، وفشل أهدافه، الأمر الذي سيضخ المزيد من الأسباب، والوقود، على النار المشتعلة في المشهد السياسي والاجتماعي الإسرائيلي، خاصة وأن الجدل الداخلي يعكس مرارة الهزيمة، حيث لا يظهر أي صوت يتحدث عن انتصار.
الجولة الجديدة من التصعيد الإسرائيلي ستنتهي إن لم يكن اليوم فغداً ولا خيارات أمام إسرائيل، سوى العودة للمفاوضات، في إطار المبادرة المصرية، التي لا مبادرة سواها ولا دور لغيرها قادر على إطفاء النيران. ولا خيار لإسرائيل سوى التفاوض مع وفد وطني فلسطيني موحد، وليس على حكومة الاحتلال سوى أن ترضخ للمطالب الوطنية الفلسطينية، ذلك أن المبادرة أصبحت في يد الفلسطينيين.