طلال عوكل
بعيداً عن المضمون الاستخدامي الشائع لدى الناس، الرعية الذين يعبرون عن توكلهم على الله، وانتظار أحكامه، والتحصن بالصبر الجميل، عندما يقولون «إن شاء الله» فإن الاستخدام السياسي، لهذه الجملة، ينطوي على أبعاد أخرى غير محمودة.
ليس لدى المواطن إلاّ أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل، وأن يتبعها بجملة إن شاء الله، أمام قليل النائبات وكثيرها، فهو لا حول له ولا قوة في مواجهة أزمات تبدو بالنسبة له كقدر لا رادّ له، حتى وهو أي المواطن يعرف أنها من صنع البشر.
لم يتعب المواطن الفلسطيني من استدعاء رحمة الله، حين ترهقه أزمة الانقسام، أو أزمة التيار الكهربائي، أو انقطاع وتلوث المياه، أو حين تفتّ من عضده، أزمة المعابر، وأزمة رغيف الخبز، وأزمة البطالة، فيظل يردد جملة إن شاء الله.
ولكن إذا كان المواطن المغلوب على أمره، لم يعد يملك سوى الدعاء وانتظار الفرج من عند الله، بعد أن فقد الأمل في تحقيق هذا الانفراج من عند البشر، فإنه لا يحق للسياسي، صانع القرار، المتحكم في شؤون البلاد والعباد، والمتحصن بالشعارات الكبرى، لا يحق لهذا السياسي المسؤول أن يكرر في شروط مختلفة تماماً ما يكرره المواطن. السياسة الفلسطينية العامة محكومة مع الأسف الشديد لجملة إن شاء الله، التي تعني في الجوهر، الضجر والتردّد، وقلة الحيلة، ومع كل ذلك، يتمسك بكرسيه، وبضخامة مسؤولياته، وكأنه تكليف إلهي، لا يجوز له، التخلي عنه.
في هذه الأيام، تسرح إسرائيل وتمرح في كل الاتجاهات، تمعن في إظهار واستنفار كل طبائعها العدوانية والعنصرية المتطرفة ضد الشعب الفلسطيني، والأرض والحقوق، وهي تعلم يقيناً أن صرخات الفلسطينيين تذهب في واد سحيق، لا يصل صداها إلى الدول نافذة القوة التي تغدق عليها كل أشكال الدعم وأسباب القوة. الإدارة الأميركية التي تخشى من نفوذ إسرائيل على الكونغرس، ومن خلال اللوبيهات الصهيونية الأميركية، التي تملك القدرة على التأثير في السياسة الأميركية، هذه الإدارة، وحتى تفلح في تمرير اتفاق خمسة زائد واحد مع إيران، تجتهد أيما اجتهاد في استرضاء إسرائيل.
ثمة سياسة ابتزاز واضحة تمارسها الحكومة الإسرائيلية للدول الغربية الكبرى، فيما تستجيب هذه لعملية الابتزاز، وتقوم بمزيد من السخاء ما تقفل عليه مخازنها المدججة بأسلحة لم تستخدم بعد. يذهب السخاء الأميركي إلى حد الاستعداد للإفراج عن الجاسوس اليهودي الأميركي بولارد المحكوم عليه بالمؤبد، حتى لو كان ذلك مخالفا للقانون الأميركي، ومخالفا لرغبة الإدارة الأميركية.
في مثل هذه الأجواء من الدلع، والدلال، تجد إسرائيل فرصتها في اطلاق طاقتها العنصرية والعدوانية ضد الفلسطينيين، على الأرض وفي داخل السجون ضد الأسرى، وفي المسجد الأقصى والقدس عموماً.
خطير ما يجري من اقتحامات متكررة بمشاركة وليس فقط بحماية الجيش والشرطة الإسرائيلية، في محاولة لحسم معركة قلب القدس من خلال فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى على غرار المسجد الإبراهيمي.
قد تستنكر الأمم المتحدة عبر أمينها العام بان كي مون، وربما تصدر بعض المؤسسات تقارير، أو تحذيرات، بشأن مخالفة إسرائيل للقرارات الدولية سواء فيما يتعلق بالقدس، أو الاستيطان أو الأسرى، ولكن تعرف إسرائيل أنها تتمتع بالحماية الكاملة من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وفي المقابل تستمر السياسة الفلسطينية على مقولة إن شاء الله، إن شاء الله ستجتمع القيادة الفلسطينية في أقرب الآجال، إن شاء الله ستتخذ قرارات هامة، إنشاء الله تصحو منظمة التعاون الإسلامي، إن شاء الله، تجتمع لجنة المتابعة العربية.
إن شاء الله سنطلق طاقة المقاومة الشعبية والسياسية والدبلوماسية، إن شاء الله سنتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم مشروع إنهاء الاحتلال، إن شاء الله سنذهب بملفاتنا إلى المحكمة الجنائية الدولية، إن شاء الله سنتمم المصالحة الفلسطينية، وسنجري الانتخابات، إن شاء الله سنرفع الحصار عن غزة، وعن اليرموك، وندرأ الفتنة عن مخيمات لبنان.
إن شاء الله سنطيل عمر شهرزاد، ونمنع الملك شهريار من أن يتخذ قراراً بإعدامها، إن شاء الله سنبدل وظيفة السلطة أو ربما نستغني عنها، ونبني مؤسسات الدولة. كل شيء بالنسبة للفلسطينيين مؤجل إلى حين لا يعرف إلاّ الله مداه، فلقد غابت الخيارات، وغابت الاستراتيجيات، وفي غيابها فإن قديم التمسك بخيار المفاوضات يبقى على قدمه.
يعز على القيادات الفلسطينية أن تتخلى عن بعض امتيازاتها التي تعودت عليها، فبات حالها حال المواطن، تردد قوله حسبنا الله ونعم الوكيل، وجملة إن شاء الله، بمضمون الضياع وتحذير المواطن.
إن كان تحذير المواطن أحد أهداف سياسة العجز والتردد، للهروب من استحقاقات المسؤولية التاريخية، فإن هذا المواطن قد استكان إلى قدره، وهبط بسقف أحلامه وتطلعاته إلى أدنى مستوى ممكن من متطلبات الحياة المتعسرة، بطرحه آن الأوان لأن نرفع شعار «ثورة في الثورة»، أي أن نثور على أنفسنا، وعلى عجزنا، وعلى المتحكمين بغير حق في أمرنا، أو أن يوفروا علينا الجهد والعرق، فيرحلوا عنا، إلى جيل جديد غير مدجج بالمصالح وثقافة التردد وعدم الثقة بالنفس وبالشعب وبعدالة القضية.