طلال عوكل
ما يقصر في تحقيقه البشر، المغلوبون على أمرهم، قد تعوضه الأقدار، هذا ما يمكن قوله في توصيف حالة طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. تبدو الحالة الفلسطينية في أسوأ حال، حتى انها لا تستوجب الشرح فمعالم السوء والتردي بادية للعيان، وشاملة، ليس أقلها أنهم يفتقدون الإرادة، والاستراتيجية الواضحة، والخيارات الوطنية، والتخلف عن مجاراة ومجابهة السياسات الإسرائيلية التي تتسم بالعنف والإرهاب الأسود والتمييز العنصري.
يتجلى على نحو يدعو للأسى، مدى سوء الأوضاع الفلسطينية، حين يقابلها خصم، لا يدع فرصة إلاّ ويعمل ضد نفسه بطريقة تؤدي إلى نفور الأصدقاء والحلفاء.
بنيامين نتنياهو هو هبة الأقدار للفلسطينيين، فهو الذي يقود السفينة الإسرائيلية نحو العزلة، واستفزاز الحلفاء، وخلق العوامل الداخلية، الإجبارية التي تتكفّل بتدمير إسرائيل من الداخل، وذلك بموازاة، تزايد عزلتها على الصعيد الدولي. لا نستطيع الحديث عن عدو عاقل، فهو عدو «عاقل» بالنسبة للفلسطينيين وإن كان سيدفعهم ثمن جنونه، ولكنه مجنون بحق مجتمعه وبحق إسرائيل التي لا تزال تفتقر إلى عوامل الاطمئنان على وجودها.
فيما لا تزال ردود الفعل الدولية والعربية والفلسطينية قوية على جريمة آل دوابشة، وتواصل إسرائيل تصعيدها ضد المسجد الأقصى، وضد الأسرى الفلسطينيين، وفي مجال المزيد من البناء الاستيطاني، يقحم نتنياهو نفسه في خلاف قوي وعلني مع الإدارة الأميركية. هذه ليست جرأة، ولا تنتمي إلى البطولة والوطنية، أن يضع نتنياهو نفسه في مواجهة رئيس وإدارة الدولة الأقوى والدولة الأشد دعماً لإسرائيل، وضماناً لأمنها.
لا يكتفي نتنياهو، بما وجهت حكومته من إهانات لرجالات البيت الأبيض، منذ الأشهر الأولى لانتخاب باراك أوباما رئيساً، والتدخل لاحقاً في الانتخابات النصفية للكونغرس، من خلال التحريض على الديمقراطية والانحياز للجمهوريين، فها هو يخوض «حرباً» ضد الإدارة بسبب نجاحها في التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني.
ثمة نحو شهر ونصف الشهر على عودة الكونغرس للعمل في السابع عشر من أيلول القادم بعد إجازة الصيف، حيث يتحرك نتنياهو بقوة للتحريض على اتفاق النووي الإيراني، لضمان رفض الكونغرس المصادقة عليه.
يعلم نتنياهو أن الرئيس أوباما يملك قانونياً حق الفيتو على تصويت الكونغرس، ذي الأغلبية الجمهورية، ما يعني أن الجمهوريين خلال التصويت للمرة الثانية يحتاجون إلى ثلثي أصوات الكونغرس وهو أمر غير ممكن التحقيق، ومع ذلك فإنه يواصل المعركة.
الخلاف بين أوباما ونتنياهو أدى مبدئياً إلى انقسام اللوبي اليهودي الأميركي بين من يؤيد الرئيس ومن يؤيد نتنياهو، وهي حصيلة أولية لا بأس بها إن كانت النتيجة تفكيك هذا اللوبي القوي.
خلال لقائه مع عدد من زعماء الجالية اليهودية الأميركية، حذر أوباما من أن عدم تمرير الاتفاق النووي، فإن أميركا ستهاجم إيران وبالتالي فإن «حزب الله» سيرد بهجوم صاروخي على تل أبيب، وليس على نيويورك ما يعني أن إسرائيل هي التي ستدفع الثمن.
في التوضيح الذي أوردته «يديعوت أحرونوت» عن أوباما، فإن إيران سوف تنسحب من الاتفاق وعندها سوف يزداد الضغط من قبل معارضي الاتفاق لمهاجمة إيران عسكرياً.
أوباما ختم رسالته للزعماء الذين التقاهم من الجالية اليهودية، بتوجيه انتقادات لاذعة بحسب «يديعوت أحرونوت»، ذلك أنه قال، «كنت على استعداد للقاء نتنياهو لكي أبحث معه ما يمكن أن يجعل إسرائيل أكثر أماناً لكنه ليس على استعداد للقائي لأنه يعتبر أن ذلك يعني رفعه للراية البيضاء، فيما هو يرغب في الاستمرار بمعارضة الاتفاق.
قد يعتقد نتنياهو أن هذا التوتر في العلاقة مع الإدارة الديمقراطية سيكون عابراً، وانه سينتهي وتنتهي ذيوله، بعد أقل من عام ونصف العام حين ستجري الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والتي يعتقد أنها ستكون لصالح الجمهوريين.
لا يدرك نتنياهو معنى وأبعاد هذا العناد المجنون لرئيس الولايات المتحدة، وممثل الحزب الديمقراطي، والذي لم يبخل في تقديم المكافآت لاسترضاء إسرائيل قبل وبعد الاتفاق النووي.
سيترتب على نتنياهو وجوقة المجانين التي يقودها أن يتحسب لارتدادات هذه السياسة وهذا السلوك الأرعن على الداخل الإسرائيلي، حيث ستجد المعارضة ذخيرة مهمة في مواجهته. وفي آخر ما ورد على هذا الصعيد أن عدداً من مسؤولي وخبراء الأمن السابقين، قد حذروا نتنياهو من أن يمضي في عناده ومنهم، عامي أيلون، كرمي غيلون، عميرام كيغن، شلومو غازيت، عميرام متسناع وداني روتشلد.
هذه الثلة من القيادات الأمنية والعسكرية ليست نكرات في إسرائيل وهم إن قرروا أن يخرجوا إلى المجتمع، بعد الاكتفاء بالتحذيرات النظرية فإنهم قادرون على التأثير. والسؤال هو إذا كان هذا هو وضع إسرائيل، فهل الفلسطينيون قادرون على الاستثمار بما يخدم القضية الفلسطينية أم أنهم سيرفعون شعار عدم التدخل؟