بقلم :طلال عوكل
أسباب عديدة تدعو إلى ترجيح التفاؤل على التشاؤم الذي سيطر على المناخ السياسي والشعبي خلال السنوات العشر الماضية، إزاء إمكانية تحقيق المصالحة الوطنية. أول هذه الأسباب يتمثل في تغير المناخ الدولي الذي رفع الفيتو عن إمكانية تحقيق المصالحة. باستثناء إسرائيل التي تقف معزولة بموقفها الرافض لإجراء المصالحة فإن المجتمع الدولي بأسره، يدعو لتحقيق المصالحة، ويبدي استعداداً للمساندة، ودعم الجهد المصري. يتعلق الأمر، بالحديث الذي يدور حول توفر فرصة لتحرك عملية السلام، والدفع بتحقيق ما يسميه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصفقة القرن. بغض النظر عن التفاصيل فإن الطرف الفلسطيني، عليه أن يكون جاهزاً للتعاطي مع هذه الفرصة التي لم تتضح معالمها وآليات تحققها بعد.
جاهزية الطرف الفلسطيني تعني أن تستكمل منظمة التحرير دورها التمثيلي، بحيث يجري تحييد المعارضة، التي يمكن أن تعطل هذه العملية، أو ضمان انخراطها وقبولها وهو أمر صعب. العرب منخرطون في هذه العملية التي لم تبدأ بعد، وتتطلب من الإدارة الأميركية أن تبلور رؤيتها لأسس ومنطلقات واطار وآليات هذه العملية. من المهم ملاحظة الخلاف بين مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل، إزاء المصالحة وإزاء عملية البحث عن السلام. أميركا تشجع الفلسطينيين على إتمام المصالحة، وآخر ما ورد تصريحات للمبعوث الأميركي جيسون غرينبلات، والتي جاءت متزامنة مع تصريحات مختلفة ومخالفة لتصريحات نتنياهو وأركان ائتلافه اليميني المتطرف.
من الطبيعي أن لا يرى نتنياهو في المصالحة الفلسطينية أي فائدة، إلاّ إذا وافقت حماس على الاعتراف بإسرائيل، وحل كتائب القسام، وقطع العلاقة مع إيران. شروط تعجيزية، تعبر عن مصلحة إسرائيل في بقاء الانقسام، الذي يوفر لها مزايا كثيرة على رأسها التذرع بعدم وجود شريك فلسطيني، وبالتالي إجهاض عملية البحث عن السلام. ليس على الفلسطينيين أن يعيروا أي انتباه للموقف الإسرائيلي، فالمصالحة أو غيرها لن تكون في مصلحة الفلسطينيين حين ترضى عنها إسرائيل. من جانب آخر، نقلت مصادر إعلامية عن مصادر سياسية متعددة أن ترامب كان قد أفصح للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس بأن نتنياهو هو الذي يشكل العقبة الأهم أمام التسوية.
مثل هذا الاعتراف غير مسبوق من قبل الإدارات الأميركية، والمفروض أن يزود الفلسطينيين زاداً وفيراً لعزل إسرائيل، أما السبب الثاني فله علاقة بالدور المصري الذي حزم أمره، وجند إمكانياته مدعوماً بالجماعة العربية، لدفع عجلة المصالحة نحو النجاح. من الواضح أن الدور المصري هذه المرة لا يكتفي بالاستضافة والتشجيع والدعم، وإنما ينخرط مباشرة وكشريك في عملية وخطوات المصالحة. إن أبرز ملاحظة يمكن استخلاصها من زيارة رئيس الحكومة، وفريقه إلى غزة، هي الحضور المصري على مستوى رفيع، وكان قد سبق ذلك بطبيعة الحال تحسُّن العلاقة بين حماس ومصر، ما يعطي للدور المصري القدرة على التأثير في كل أطراف المعادلة الفلسطينية.
أما السبب الثالث فيتعلق بالتغيرات التي طرأت على حركة حماس، بعد مؤتمرها وقيادتها الجديدة، وهي تشير إلى قطع متدرّج مع الماضي. ونحو تعميق رؤيتها ودورها الوطني، بعيداً عن الارتباطات السابقة. هل يمكن تجاهل أبعاد التصريحات التي تصدر عن مسؤولين كبار في حماس وتتحدث عن رغبتها في إقامة علاقات استراتيجية مع القاهرة، رغم كل ما نعرفه ويعرفه الجميع، بشأن السياسة المصرية، تجاه حركة الإخوان المسلمين؟ إذن، التحولات الجارية في حركة حماس والتي تشير إلى مراجعة ضمنية للمرحلة الطويلة السابقة، هي واحدة من العوامل التي جعلت حماس تعلن ومن دون تردد القبول غير المشروط برؤية أو شروط الرئيس محمود عباس، ويدفع قياداتها للحديث علنياً وبشكل حاسم وحازم عن استعداد الحركة لاتخاذ خطوات غير مسبوقة لإنجاح المصالحة.
بعد نجاحها في الاختبار الأول بإعلانها قبول شروط الرئيس محمود عباس، نجحت حماس في الاختبار الثاني الذي تمثل في الترحيب الواضح والاحتفالي بزيارة الحمد الله وفريقه إلى غزة، وتسهيل مهمتهم في استلام وزاراتهم ومؤسساتهم، من دون أي عوائق.
وحتى نستكمل هذا العامل لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس عباس الذي يعطي فرصة لمحاولات إحياء عملية السلام، يحتاج هو الآخر لتعزيز شرعيته، وتمثيله للكل الفلسطيني، ما سيجعله أقوى في مواجهة الاعتراضات الإسرائيلية وهي متوقعة بطبيعة الحال.
والآن، من الطبيعي أن تحصل عملية تجاذب تكتيكية في الحوار والعمل من أجل إتمام المصالحة، من ذلك ـ على سبيل المثال ـ ما صرح به الرئيس عباس الذي أعلن رفضه لتكرار تجربة حزب الله في لبنان، ورفضه لوجود أي سلاح غير السلاح الرسمي والشرعي. هذه قضية شائكة، والرئيس حين يتحدث في هذا الأمر وبهذه الطريقة فإنه منسجم مع نفسه ومتصالح مع رؤيته التي لا يمل من تكرارها والتأكيد عليها، غير أن معالجة هذا الملف تحتاج إلى صبر وتحتاج إلى إبداع فلسطيني، ولا أعتقد أنه سيؤدي إلى الإطاحة بالآمال في تحقيق المصالحة، ومن ذلك، أيضاً، أنه لا الحكومة ولا القيادة الفلسطينية الرسمية، أقدمت على اتخاذ أي قرار أو خطوة إجرائية، كانت ضرورية لطمأنة الناس، من مثل التراجع عن الإجراءات التي سبق اتخاذها بحق غزة. من الواضح أن الحكومة كجهة تنفيذية لم يكن لها أن تتخذ أي قرار إجرائي قبل أن يكون المستوى السياسي قد أخذ قرارات بذلك، كل شيء يمكن معالجته، وفي انتظار الحوار الذي سيجري في القاهرة الأسبوع المقبل، فإن سكان قطاع غزة، ينتظرون إجراءات ملموسة حتى يستعيدوا الثقة بقياداتهم وفصائلهم.