بقلم :طلال عوكل
التفاهمات التي تم التوصل إليها بين النائب محمد دحلان، ووفد حركة حماس، وبين حماس والجانب المصري، ألقت بحجر كبير في المياه الفلسطينية لتزيدها صخباً واضطراباً، فوق ما تعانيه من صخب واضطراب وقلق فضلاً عن أنها عمّقت الشروخ التي تضرب الجسد الفلسطيني الممزق. حتى الآن لم يتم الإعلان من أي طرف عن التفاصيل الكاملة لتلك التفاهمات، والتي إن لم تكن وصلت إلى الأسئلة الصعبة، فإن ما وقع منها حتى الآن، قد يفتح الباب أمام ضرورة الإجابة عن تلك الأسئلة. بعض السذج، يعتقدون أن تلك التفاهمات، لم تأخذ طابعاً سياسياً، بمعنى أن كل طرف بقي عند رؤيته السياسية، والتزاماته، ولكن هؤلاء لا يتجاهلون حقيقة أن كل صغيرة وكبيرة تتصل بالشأن الفلسطيني، تنطوي على أبعاد سياسية.
المهم في الأمر أن حركة حماس أدركت صعوبة أوضاعها، ومحدودية خياراتها، ما جعلها تذهب نحو خيار الانفتاح على القاهرة وعلى ما هو أبعد من خلالها (القاهرة) والتفاهم مع دحلان وفريقه، وهي أي حماس تدرك أن عليها أن تدفع الثمن. تبدي حماس استعداداً للانحناء أمام العاصفة بخلاف ما فعلت خلال السنوات العشر السابقة منذ وقوع الانقلاب والانقسام. كان مثل هذا التحول في رؤية حماس لكيفية التعاطي مع الحسابات السياسية والفصائلية والخيارات والمراهنات، يحتاج إلى رجل قوي قادر على اتخاذ القرار وإلزام الحركة به. يظهر السنوار، باعتباره المنقذ من سوء الحسابات، ويخيب ظنون الذين فسروا انتخابه رئيساً للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة على أنه عنوان تصعيد وحروب ومغامرات غير محسوبة. والحقيقة أن انتقال مركز قرار حركة حماس إلى قطاع غزة، بات يلزم قيادتها على الاقتراب أكثر من الواقعية السياسية، ذلك أن حماس وغزة هما اللذان يدفعان ثمن أية سياسات خاطئة.
عدو الأمس، يصبح صديق اليوم والمنقذ، أمر لا يخرج عن مبادئ السياسة فلا عدو أبدياً ولا صديق أبدياً، وتجربة حماس مع علاقاتها الداخلية والخارجية تقدم الكثير من الأمثلة على صحة هذا الاستنتاج.
دحلان هو الآخر، الذي يتمتع بحضور إقليمي، هو صاحب مصلحة في اللجوء إلى هذا الخيار، بعد أن أغلقت أمامه السلطة وحركة فتح كل الخيارات، لكي يعود لاعباً أساسياً، في وسط الملعب وليس على دكة الاحتياط والبدلاء. يعرف دحلان، بأن حركة حماس تملك كل عوامل السيطرة، المادية واللوجستية على قطاع غزة، وهو لا يتطلع إلى منافستها على هذا الصعيد، لكنه يعرف، أيضاً أن حماس موجودة وفاعلة في المشهد السياسي العام، وأنها واقع لا يمكن تجاهله أو القفز عنه، لكن طبيعة التفاهمات، تضمن له القدرة على التعامل مع الوضع الفلسطيني من داخله. أما مصر فإنها تتصرف انطلاقاً من عدة عوامل أولها أنها لا تسمح لنفسها بأن تتخلّى عن دورها ومسؤولياتها تجاه القضية والشعب الفلسطيني، وهي إذا كانت في بعض الوقت أهملت هذا الملف، فإنها اليوم مركز فعل سياسي إقليمي، ولا يمكنها أن تتجاهل أهمية الملف الفلسطيني.
هذا يعني أن ثمة دوافع عقابية للسلطة، أو قرصة أذن كما يقال. والغريب أن السلطة لا تدرك أبعاد ما تفعل. في ضوء ذلك ما كان للمبعوث الأممي فلاديمير أن ينجح في مسعاه الأخير لرأب الصدع بين السلطة وحركة حماس، فالاقتراحات التي حملها، كانت مرفوضة قبل أن يضاف إليها اقتراح بتخلي حماس عن تفاهماتها مع محمد دحلان وفريقه. كان على السلطة أن لا تتصرف من خلال ردات الفعل والعناد في مواجهة هذه التطورات، التي قد تلقى قبولاً من بعض فصائل منظمة التحرير التي لا تقوى على رفض أية حلول من شأنها أن تخفف عن معاناة الناس في غزة. أول الإشارات على هذا الصعيد صدرت عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي رحب عضو مكتبها السياسي الدكتور رباح مهنا بأي عمل من أي كان من شأنه أن يخفف من معاناة أبناء القطاع، فماذا لو أن هذه التفاهمات أدت إلى توسيع دائرة الشراكة لتشمل فصائل أُخرى غير طرفيها؟
ثاني هذه العوامل، رؤية مصر لأمنها الإقليمي، ولدور المحيط القريب في تلبية استحقاقات أمنها، فهي مجاورة لثلاث جبهات إن لم يكن أكثر، في جنوبها السودان بكل مشكلاته، وعلى غربها ليبيا بكل مشكلاتها، فضلاً عن قطاع غزة. من المهم بالنسبة لمصر تأمين جبهتها مع قطاع غزة، وثمة أسباب كثيرة، تدعوها لتحسين العلاقة مع حركة حماس، انطلاقاً من رؤيتها هي لدور حماس في حماية أمنها الاستراتيجي. المعادلة مختلّة لصالح مصر، ولذلك من غير المتوقع أن تكون قدمت لحماس، بدون أن تحصل على أضعاف ما تقدمه.