الناس عموماً في قطاع غزة، لا يظهرون ارتياحاً لقدوم عيد الأضحى، بسبب الحالة النفسية المتدهورة، الناشئة عن سوء الأحوال المعيشية، فضلاً عن ضيق ذات اليد بالنسبة للكثيرين. الأسواق مليئة بشتّى أنواع البضائع من الملابس إلى الحلويات بأشكالها ومذاقاتها المختلفة، وهي أيضاً مليئة بالزوار، الذين لا يجدون أفضل من الأسواق لقضاء الوقت.
الشوارع تضجّ بالحركة، ولكنك بالكاد تجد من يحمل بيده ملابس، أو ألعابا للأطفال، أو مشتريات العيد.
كل المؤشرات تقول إن عدد الأضاحي هذا العام، أقل بكثير مما اعتاد سوق غزة استهلاكه، والأرجح أن معظم المتوفر من الأضاحي يعود إلى بعض المؤسسات الاجتماعية الممولة.
الكل مفلس فالتجار يفتحون أبواب محلاتهم بحكم العادة وبأمل الحصول على القليل من المردود المادي، فلقد أنهكتهم الضرائب وأنهكهم الحصار الذي يفرض على بضائعهم رسوماً عالية فضلاً عن أجور النقل.
والأساس هو تدني القدرة الشرائية لدى السكان بشكل عام فكل فئات المجتمع التي تعتمد على الرواتب تعاني منذ فترة.
من يحصلون على الرواتب هم إما موظفو السلطة، وهؤلاء تراجع دخلهم الشهري بسبب الخصومات التي قد تصل إلى سبعين في المئة من الراتب، الذي لم تحصل عليه أي زيادات منذ الانقلاب العام 2007.
الكثير من هؤلاء ترهقهم القروض، حتى أن بعضهم لا يحصل في الشهر على أكثر من مئة شيكل، وبعضهم قد لا يحصل عليها.
موظفو حركة حماس وهم أيضاً عشرات الآلاف لا يحصلون إلاّ على أربعين في المئة من الرواتب، وفي كثير من الأحيان يحصلون على ما يتبقى من الراتب بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من استحقاق الحصول عليه.
الفئة الثالثة وهي أيضاً نحو أحد عشر ألف موظف وعامل، ومدرس يحصلون على رواتبهم من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، وقد وقعت عليهم خصومات طارئة لم يكونوا يتوقعونها، فضلاً عن أن بعضهم قد تم فصله من العمل، والبقية تخشى أن تواجه المصير ذاته خلال سنوات قليلة قادمة.
الفئة الرابعة هم الموظفون في منظمات المجتمع المدني وبعض الوكالات والمؤسسات الدولية، وهؤلاء أعدادهم لا تتجاوز آلافاً قليلة.
منظمات المجتمع المدني هي الأخرى تتعرض لتراجع التمويل، وضعف الإمكانيات المادية، وبعضها قد أغلق أبوابه بسبب انعدام التمويل.
وهؤلاء جميعاً، وكل من يحصل على دخل ثابت سواء من العاملين في السلطة، أو في غيرها من المؤسسات، يتعرضون إلى ضغوط اجتماعية بسبب كثرة الفقراء وعديمي الدخل من الأقارب والجيران والأصدقاء.
ولأن عيد الأضحى وفق التقاليد والأعراف، هو عيد ذبح الأضاحي وتقديم العيدية للأطفال والأرحام، فإن الكثير من الناس يصابون بحرجٍ شديد حتى أمام أطفالهم، ولذلك فإنهم لا يرحبون ويعتبرون العيد ورطة، تضاعف وتلخص في الوقت ذاته معانياتهم خصوصاً أنه يحل هذا العام بالتزامن مع بدء العام الدراسي بما ينطوي عليه ذلك من تكاليف.
الجواب من الذين يرحبون بالعيد، لأنهم لا يعانون ما يعانيه المعدمون من الناس، ومن القيادات السياسية، وأصحاب الشعارات العالية، الجواب يأتي من قبل الكل، اصمدوا، فنحن شعب لا ينحني للعدو، ولا للفقر، ولا لنائبات الزمان.
ما لا يقوله هؤلاء الناس، هو أنهم مجرد حطب للنار المتقدة في الصراع مع الاحتلال، وفي الصراع من أجل السلطات، ولإدامة الانقسام ما لم يأت بحسابات متطابقة مع حسابات أهل الأمر والنهي.
اصمدوا، ولا تستمعوا لكل الدعوات والمبادرات التي تحاول أن تقدم لكم سمّ السياسة في دسم الإنسانية.
يعلم الناس، كل الناس، الفقراء منهم ومن لا يشتكون الفقر، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان تسويق صفقة القرن من باب الأزمة الإنسانية التي يعاني منها سكان القطاع.
ويعلم الناس أن الحوارات أو المفاوضات الجارية من أجل تحقيق تهدئة أو هدنة مع الاحتلال، إنما تستهدف تمرير السم في الدسم، وعزل قطاع غزة، ونحو تأهيله ليكون الكيان الفلسطيني.
يعلم الناس كل هذا وأكثر، ولكن من ذا الذي يقدم لهم حلولاً كريمة لأزماتهم المعيشية؟ لقد انتظر الناس نحو اثني عشر عاماً منذ الانقلاب حتى تتحقق المصالحة الفلسطينية، التي تشكل العنوان الوطني الأكيد لمعالجة الهموم الوطنية والشخصية، ولكن هذا الفارس الذي يركب الحصان الأبيض لم يأت، ويبدو أن هذا الفارس لا يزال يضل الطريق.
والسؤال: إلى متى ينتظر الناس وماذا ينتظرون؟ لذلك فإن الناس مستعدون للتعاطي مع الفرصة المتاحة، التي تسمى التهدئة، لتخفيف وطأة الحصار والمعاناة، وطالما أنها لا تنطوي على تكلفة سياسية، أما إن كان ثمة من يعتقد أن التكلفة السياسية هي بحجم التعاطي مع صفقة القرن، فإن الشعب دائماً كان أسبق من قيادته في الدفاع عن حقوقه الوطنية، وأكثر استعداداً للتضحية من أجلها.