إلى حد كبير ينطبق قول الشاعر "على قدر أهل العزم تأتي العزائم" على السياسة، وعلى حركة الجماعات والأفراد. استناداً إلى هذا القول أو القاعدة يمكن تقييم مؤتمر حركة فتح كحركة وطنية رائدة فجّرت الثورة المسلحة ونقلت منظمة التحرير من مربع التبعية العربية إلى مربع الوطنية الفلسطينية، وقادت الحركة الوطنية الفلسطينية خلال عقود طويلة.
استحقاقات وتداعيات كبيرة وخطيرة مرهونة بمدى قوة حركة فتح وقدرتها على مجابهة التحديات الهائلة التي تواجه القضية الفلسطينية وشعبها، وعليها ينعقد رهان الوطنيين الفلسطينيين في حماية الهوية الوطنية والمشروع الوطني واستمرار وإعلاء دور منظمة التحرير وترسيخ قيم الديمقراطية والشراكة والعدالة الاجتماعية.
المؤتمر السابع قد بدأ عقد جلساته التي توشك على الانتهاء خلال يومين بحسب تصريحات الناطق باسمه أبو الهيجاء، وعند ذاك يمكن إخضاع مخرجاته لتقييم موضوعي، نظرياً، لكن التقييم الحقيقي مرهون بالممارسة العملية.
مبدئياً، نفترض أن المؤتمر سيناقش تقريراً ينطوي على مراجعة عميقة لما بين المؤتمرين السادس والسابع، وبحيث تظهر نتائج هذا التقييم في مخرجات المؤتمر السابع.
في الحقيقة لم تعتد الفصائل على مثل هذه المراجعة العميقة، وبعضها في أفضل الحالات يجري مراجعات تتضمن انتقادات جانبية على بعض المواقف أو التقديرات الخاطئة، ولذلك تأتي النتائج تكراراً للمؤتمر الذي سبق، اللهم إلا من التغيير الذي يجري نظرياً على المعطيات والأحداث التي تقع بين مؤتمرين.
لا أجازف إن قلت إن تجربة ما بين مؤتمري "فتح" السادس والسابع لا تشير إلى ان نتائج المؤتمر السابق أحدثت تطويراً ونهوضاً في أوضاع الحركة إزاء المسؤوليات الوطنية الكبيرة التي تتحملها، كما لم تشهد تطويراً ونهوضاً على أوضاعها الداخلية وعلى مستوى شعبيتها.
أول ما يتبادر إلى الذهن هو عدم الالتزام بتوقيتات عقد المؤتمرات الوطنية وفق مقتضيات النظام الداخلي، رغم أن ظروف عقد المؤتمر الحالي لا تختلف عن الظرف الذي كان يوجب انعقاده قبل عامين. ثمة جملة من المعايير التي ينبغي الاستناد إليها لإجراء عملية تقييم نظرية موضوعية.
أول هذه المعايير يتصل بقدرة المؤتمر والحركة عموماً على تمكين وحدتها الداخلية بعد كل ما شاب ذلك من اختلالات ظهرت في تركيبة عضوية المؤتمر والاحتجاجات التي صدرت عن العديد من القيادات والكوادر وبعض هذه الاحتجاجات العلنية يذهب إلى المساس بشرعية المؤتمر ويهدد بانقسامات وتوترات حركة فتح في غنى عنها.
اليوم، حركة فتح ليست كما كانت بالأمس، فهي، اليوم، تواجه منافسة حقيقية شديدة على دورها القيادي من قبل حركة حماس التي تتمتع بالتنظيم والتماسك وبالجماهيرية الواسعة. لم يكن الأمر كذلك قبل توقيع اتفاقية أوسلو وفي إطار منظمة التحرير، حيث لم تستطع المعارضة في المنظمة من أن تداني أو تمس بجماهيرية "فتح" الحاسمة.
ثاني هذه المعايير يتصل بمدى نزاهة العملية الديمقراطية التي عليها يتوقف اختيار قيادات كفؤة قادرة على حمل المسؤولية. قد تكون حركة فتح اعتمدت آلية خاصة بها في الانتخابات الداخلية، لكن التنافس المحموم على الترشح والاعتماد على التكتلات لا يستوي مع المبادئ السليمة لعملية الاختيار، إذ إن مثل هذه الآلية تعتمد الولاءات الشخصية أو المناطقية أو الوعود وربما تنطوي على نفس ثأري أو انتقامي من آخرين.
الانتخابات يجب أن تراعي عملية التجديد من القيادات الشابة والمرأة، خصوصاً وأن جيل المؤسسين الذي يحظى بثقة وأولوية في تبوء مراكز القيادة، هذا الجيل لم يبق منه سوى عدد أقل من القليل.
ثالثاً، التقييم للبرنامج السياسي والتوجهات والخيارات والتحالفات وأشكال النضال التي سيتم اعتمادها من قبل المؤتمر ويفترض أن تستجيب للمتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية والمتغيرات على طبيعة العلاقة مع الاحتلال، انطلاقاً من أن "فتح" هي التي تتحمل المسؤولية الأولى إزاء تنفيذ المشروع الوطني.
شخصياً لا أعتقد أن ثمة إمكانية حقيقية مجدية للتقييم على أساس ما يقدم من أوراق سواء عبر التقارير أو التوصيات، أو حتى الشروحات والتصريحات التي تصدر عن مسؤولين في المؤتمر والحركة.
حركة فتح لم تسقط من برنامجها الكفاح المسلح، لكن هل اعتمدت هذا الشكل الكفاحي بين المؤتمرين السابق والحالي؟ وسجلت في مؤتمرها السابق العديد من القرارات والشعارات الخاصة بكل تفاصيل الشأن الفلسطيني. وبعد المؤتمر هي، أي حركة فتح من بادرت إلى طرح مشاريع وقرارات كان قد اتخذها المجلس المركزي، وكذلك اللجنة التنفيذية فيما يخص إعادة النظر بالعلاقات الاقتصادية والتنسيق الأمني مع الاحتلال، لكن شيئاً من كل ما ورد لم يجد طريقه للممارسة العملية.
هذا يعني أن البرامج على الورق لا تساوي شيئاً، وأن الاستناد في التقييم إلى هذا الورق لا يفيد في شيء، وأن الممارسة هي خير أساس يمكن أن يتم التقييم بناء عليه. المسألة السياسية يمكن إحالتها إلى القرارات التي تتخذها الهيئات القيادية، شرط أن تأخذ طريقها إلى الممارسة العملية، لأن لا أحد يعود إلى البرامج التي تقررها المؤتمرات، وبصراحة أكثر فإن الانتخابات للهيئات القيادية لا تستند إلى معيار الالتزام ببرامج المؤتمرات وقراراتها.
بعد ذلك ثمة مجموعة من القضايا التي ينبغي أن تجيب عنها حركة فتح وكانت الإجابة عنها خلال المرحلة السابقة سلبية. ما هو الجواب عن سؤال الدولة على حدود الأراضي المحتلة العام 67، أو خيار الدولة الواحدة أو أية خيارات أخرى، بعد أن تضاءلت الفرص أمام تحقيق الدولة الفلسطينية وهو ما يعترف به الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال كلمته بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني؟
ما هو جواب المؤتمر على مخطط دولة غزة الذي يسعى الاحتلال لفرضه على أرض الواقع؟ الجواب هنا ينبغي أن يأتي عملياً ومن خلال قرارات ملموسة وممارسة، وأول هذه القرارات ما يرتبط بموضوع المصالحة أو المصالحات الفلسطينية - الفلسطينية؟ ما هي وكيف ستكون وجهة حركة فتح تجاه منظمة التحرير الفلسطينية، إن لجهة إعادة بنائها أو لجهة إصلاحها والارتقاء بدورها ونحو تعزيز مبادئ الشراكة الوطنية، سواء مع فصائلها أو الحركات الإسلامية التي لا تزال خارجها؟
أخيراً، ينبغي للمؤتمر أن يقرر وجهة عملية ملموسة إزاء الشرعيات وإزاء فصل السلطات وإزاء دمقرطة الحركة الوطنية والمجتمع الفلسطيني. وعلى المستوى السياسي ينبغي أن يحدد المؤتمر وجهة التحالفات، خاصةً بعد توفر خيارات مهمة ومختلفة عن واقع الارتهان للدولار الأميركي، حتى لو أن المؤتمر أقر بضرورة الاستمرار في عملية السلام والالتزام بآلية التفاوض كسبيل لتحقيق الأهداف الوطنية، رغم كل ما ينطوي عليه ذلك من ملاحظات على هذا الخيار.