ثلاث سنوات، في البيت الأبيض، ولم ينجح سيده الفظّ في أن يُقنع المشاهدين بأنه الرئيس الذي تستحقه دولة لا بحجم الولايات المتحدة، ولا حتى، دولة صغيرة، متعال، فظّ، طاووسي وفوقي متغطرس، يقف أمام جمهور تم استدعاؤه، لكي يشهد لهذا الرئيس العابر للحق والحقيقة الذي يظن أنه يستطيع أن يفرض سلاماً، لإنهاء ملف الصراع القومي، الأخطر، في التاريخ المعاصر. لم يخجل
رئيس الدولة العظمى، حتى الآن ولوقت قصير من أن يعلن أمام العالم، أنه يفتقد الحكمة، والرزانة، حين يعتقد أن بإمكانه أن يراهن على إقفال مثل هذا الصراع، وإلغاء حقوق شعب استثنائي من ثلاثة عشر مليوناً، خلفه أمة عربية، وأمة إسلامية ومئات القرارات التي اتخذها المجتمع الدولي. من على منصة في حديقة البيت الأبيض، يعلن زعيم الإمبريالية العالمية الحرب على الحقوق الفلسطينية
والعربية، ويقلب الحقيقة رأساً على عقب، فيكون الإرهابي الصهيوني مسالماً، والفلسطيني المكافح من اجل حقوقه، إرهابياً، ويغدق العطايا للحركة الصهيونية على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية.
المهرجان انتخابي بامتياز، تبادل خلاله الفاشلان ترامب ونتنياهو الدعم لإنقاذ نفسيهما مما ينتظرهما من مستقبل أسود، فكلاهما متهمان بالفساد، وخيانة المسؤولية والمقام، وكلاهما مهددان بالفشل في
الانتخابات القادمة. يُسوّق ترامب نتنياهو على أنه الرجل الذي انكسر القالب بعد ولادته، بالنسبة لإسرائيل، ويُسوّق نتنياهو ترامب على أنه الزعيم الذي يخلق تاريخاً مجيداً للحركة الصهيونية كما فعل الرئيس ترومان حين كان أول رئيس يعترف بقيام دولة إسرائيل عام 1948. الخطة، لم تكن مفاجئة بالنسبة للفلسطينيين، فهي معروفة حتى بتفاصيلها مسبقاً منذ أن أعلن ترامب قراره الاعتراف
بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل عامين. تعطي الخطة الأميركية الإسرائيلية إسرائيل، الضوء الأخضر، لتشطيب ما تبقى للفلسطينيين من حقوق، فالعاصمة الموحدة لإسرائيل، ومناطق الاستيطان، وغور الأردن، بدون حق العودة، وحتى لا يبقى للفلسطينيين سوى كانتونات معزولة على جزء من الضفة، وعاصمة في ابو ديس. يريدها ترامب دولة اقل تعبيراً وصلاحيات من السلطة التي قال عنها
الرئيس ابو مازن إنها بلا سلطة، وفوق ذلك على الفلسطينيين أن يعترفوا بيهودية الدولة، وينزعوا سلاح المقاومة، ويتوقفوا عن التوجه للجنائية الدولية، وعن دفع مخصصات الشهداء والجرحى.
ما تقدم به ترامب، ورحّب به نتنياهو، كان إعلاناً عن نهاية مرحلة البحث عن السلام، والمراهنة على رؤية الدولتين، ونهاية صلاحيات المرجعية الأممية في تحديد الحقوق، وهي وصفة أكيدة
لاندلاع وتأجيج الصراع على كل الأرض والحقوق. قالها الرئيس محمود عباس: «رضينا بالهمّ والهمّ ما رضي بنا»، فلقد قبل الفلسطينيون بموجب اتفاق اوسلو، بقرارات الأمم المتحدة والتي تحصر الحقوق الفلسطينية بالأراضي التي جرى احتلالها بالقوة، عام 1967، بينما في الأصل، تمتد حقوقهم إلى كل ارض فلسطين التاريخية. الإعلان عملياً، يرفض ما قبل به الفلسطينيون، ويصر على ان
يعود الصراع الى بداياته وأساساته بما انه صراع وجودي، على كل الأرض والحقوق لن يكون لإسرائيل أمل في أن تكسبه حتى لو طال الزمن. هم اختاروا ذلك، ظناً منهم ان القوة تفرض حقوقاً ثابتة، لكنهم لا يدركون ان القوة نسبية، والحقوق والقيم ثابتة، وان التاريخ كفيل بأن يصحح اعوجاجاته، وان الامبراطورية الأميركية زائلة كما زالت امبراطوريات عظمى في أزمان سابقة. أراهن أن لا
نتنياهو سيكسب ويضمن مستقبله السياسي. ولا ترامب سيحقق أمله في ولاية ثانية. فما يفعلانه يثير السخرية، ويثير اضطرابات وتناقضات في دولتيهما، فضلاً عن الفوضى التي يتركها مخططهما في الإقليم والعالم. الفلسطيني عظمه قاسٍ، ولا يستطيع احد ان يكسر إرادته، فلقد راهنت القوى الاستعمارية والصهيونية على تشريده في كل أنحاء المعمورة، وتذويب ما يتبقى منه في المجتمعات
العربية، لكنه نهض كالفينيق من جديد، يملك كل العزم على استرداد حقوقه واثبات جدارته في فرض حقوقه. ربما يكتفي نتنياهو بأن يجلس في البيت والأغلب في السجن. بما حقق من إنجازات للدولة العبرية، لينام على سرير تلك الإنجازات، دون ان يدرك أن إنجازاته هي السبيل المضمون كي تواجه إسرائيل أزمة وجودية خطيرة. هكذا يكون الخلاف الأساسي بين الفلسطينيين قد انتهى، فالمرحلة
الجديدة واقعيا تجعل الكل أمام هدف واحد، وأرضية سياسية واحدة، وإن اختلفت لغة التعبير. لا عذر للفلسطينيين، لأن يستمروا في خلافاتهم وانقساماتهم، فإن استمرت هذه، على النحو الذي ساد ولا يزال سائداً لن يكون سببه سوى البحث عن الذات الفئوية، والمقامات والامتيازات والتسيُّد، وتحقيق الانتصارات على بعضهم البعض. مرحلة جديدة مختلفة جذرياً عن مرحلة أوسلو، تستدعي
استراتيجية وطنية مختلفة، ومشروعاً وطنياً مختلفاً وأهدافاً مختلفة، وتستدعي أيضاً تغييراً جذرياً في الأدوات والوسائل. ثمة ضرورة لإعادة بناء الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي والإنساني، على أساس الحقائق الجديدة التي تتصل بالصراع بما أنه صراع جذري على كل الأرض وكل الحقوق. تبدو البدايات جيدة، حيث دعا الرئيس كل الفصائل الى طاولة البحث، وثمة حديث عن استئناف الحوار
في غزة، بوصول وفد فتحاوي، لكن المسألة لا ينبغي أن تقف عند حدود وحدة الموقف، والوحدة الميدانية في سياق الاحتجاجات الشعبية. مطلوب فوراً ودون إبطاء إنهاء الانقسام، لأن بقاءه، يعني تسهيل تنفيذ مخططات إسرائيل التي تعمل على استباحة الضفة، وإقامة الدولة أو الكيان في غزة، ما يعني أن إنهاء الانقسام هو الحكم على النوايا، وليس فقط إعلانات الرفض.
قد يهمك أيضا :
ماذا تنتظرون وعلى ماذا تراهنون؟
لا تكفي المراهنة على حركة التاريخ