أميركا أولاً أم أميركا فقط
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

"أميركا أولاً" أم أميركا فقط ؟

 فلسطين اليوم -

أميركا أولاً أم أميركا فقط

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

جائحة كورونا التي تواصل انتشارها وحصدها المزيد من الأرواح يبدو أنها لا تستهدف فقط كبار السن، بما يخفف على نحو واضح مدفوعات الدول المخصصة للتقاعد والمساعدات الاجتماعية، وانما تقدم نموذجين في التعامل المسؤول، مع القضايا التي تشترك فيها البشرية جمعاء. تقدم الصين تجربتها ورؤيتها على مستوى العلاقة بين مسؤولياتها القومية ومسؤولياتها على المستوى العالمي، ولها على الجميع أن يرفع القبعة حيث نجحت من خلال التعامل المبكر والصارم مع الفيروس في أن تحتفل في مدينة يوهان التي كانت بؤرة الجائحة، وأن تبدأ بتقديم المساعدة للآخرين.

قد لا تكون المساعدات الصينية كافية لتمكين الكثير من الدول من تجاوز عجزها على وقف التقدم المتسارع للفيروس، ولكن ذلك ينطوي على مؤشر سياسي وأخلاقي إزاء ما تتعرض له البشرية. لسنا بصدد إقحام دور الفيروس في التنافس بين القوتين الأعظم الصين والولايات المتحدة على موقع الأفضلية، ولا حتى بما له صلة بالتغيرات الكونية ذات العلاقة مع النظام الدولي، وأفضلية النموذج السياسي فثمة الكثير من السيناريوهات المتضاربة وغير المكتملة.

مقابل ذلك تقدم الولايات المتحدة نموذجها الخاص إزاء العلاقة بين القومي والأممي، ونحو إعطاء أولوية شبه مطلقة للقومي على حساب التوازن في المسؤولية. منذ بداية عهد الرئيس دونالد ترامب كان قد أعلن أن استراتيجية ادارته تقوم على مبدأ "أميركا أولا"، وقد كانت البداية الأكثر وضوحا تتمثل في السياسة التي اتبعها وتحمست لها المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي. كانت الذريعة المعلنة لاستهداف الأمم المتحدة تقوم على اتهامها بمعاداة إسرائيل والانحياز للفلسطينيين، ثم اتبعها بانسحاب أميركا من اتفاقية المناخ.

لم تتوقف الإجراءات السياسية العملية لتأكيد مبدأ "اميركا أولا" فلقد أوقفت مساهماتها المالية في موازنة اليونسكو والمجلس الأعلى لحقوق الإنسان، وأخيرا إعلان الرئيس ترامب عن وقف مساهمتها في موازنة منظمة الصحة العالمية بذريعة تواطئها مع الصين. وفي السياق كانت الولايات المتحدة قد أوقفت مساعداتها للعديد من الدول بما في ذلك المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يهدد دور الأمم المتحدة، في مجال القيام بمسؤولياتها التنموية والإنسانية بما يعرض الأمن والسلام العالميين للخطر.

تأخرت الإدارة الأميركية في التعامل الجدي مع جائحة كورونا، الأمر الذي أدى إلى عجزها عن ملاحقة انتشار الفيروس داخل اميركا. في وقت متأخر أي في السابع والعشرين من آذار اتخذ الكونغرس قراراً بتخصيص 2,2 ترليون دولار لاحتواء الفيروس وتوفير الإغاثة الاقتصادية المؤقتة للعمل والشركات الأميركية، واللافت أن الإدارة الأميركية خصصت فقط مليارا ونصف المليار لدعم الأنشطة الدولية بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وهذه ربما تتوقف بعد قرار الرئيس ترامب بوقف مساهمات أميركا في ميزانية منظمة الصحة العالمية.

عام 2018 كان ترامب أعلن وقف تقديم المساعدة الأجنبية لأولئك الذين لا يحترمون الولايات المتحدة، وكان في مقدمة هؤلاء دولة فلسطين التي قطعت الولايات المتحدة عنها لأسباب سياسية كل أشكال المساعدات، بما في ذلك للمستشفيات في القدس بعد أن توقفت عن تقديم مساهمتها التي تتجاوز 350 مليون دولار للأونروا. خلال الفترة الرئاسية السابقة كانت الولايات المتحدة تقدم نحو سبعمائة مليار دولار في إطار المساعدات سواء لبرامج الأمم المتحدة أو في إطار المساعدات الإنسانية والتنموية، أما في عهد ترامب فقد جرى تجفيف هذا الصندوق إلى بضعت مليارات. في ضوء ذلك فإن دور وأداء منظمة الصحة العالمية في مجال مكافحة الأمراض والوقاية منها سيتراجع على نحو ملحوظ، ذلك أن الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر في موازنتها بالمقارنة مع حصة كل من الصين واليابان وألمانيا وهي الدول الأساسية التي تتحمل عبء موازنة هذه المنظمة. إزاء ذلك لا يمكن حصر الدول التي يمكن أن يتعرض نظامها الصحي للانهيار، بل إن عديد الدول ربما تشهد انهيارات وفوضى في أنظمتها السياسية وقدرتها على الاستقرار.

لقد تعود الرئيس ترامب على اتخاذ سياسات و مواقف واجراءات جذرية تحقيقا لمبدأ "أميركا أولا" وفي إطار تغيير الدور التقليدي الذي تلعبه فوق استراتيجياتها لتحقيق مصالحها، بما في ذلك اجراءاته في مجال التعامل الأمني والتجاري مع دول الاتحاد الأوروبي. إذ ذاك من الطبيعي أن تنعكس السياسة الأميركية على كل مفاصل وتفاصيل المجتمع الدولي ومكوناته وآليات عمل النظام السياسي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، فهي الدولة التي تنتج ما يقرب من ربع الإنتاج العالمي والدولة الأقوى عسكرياً التي تقف لفترة طويلة على رأس النظام العالمي.

ولكن في زمن العولمة هل يمكن للولايات المتحدة أو غيرها أن تحمي نفسها من الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية التي تؤثر على نحو جماعي على سكان الأرض؟ خاصة وأن العديد من هذه الظواهر لا تعترف بالحدود كما هو الحال الآن مع "كورونا"؟ إن سياسة "أميركا أولاً" التي يتم ترجمتها وفق سياسة "أميركا فقط" قد تكون وصفة لحجْر استراتيجي أميركي.

قد يهمك أيضا : 

  على هامش انتشار فيروس كورونا

مملكة العنصرية والخداع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا أولاً أم أميركا فقط أميركا أولاً أم أميركا فقط



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday