بقياسات الوضع العربي، الذي يمضي منذ أكثر من ست سنوات، نحو التمزق والصراع والتيه، وما رافق تلك السنوات من قمم واجتماعات عربية وتحركات أجنبية وغير أجنبية، تعتبر قمة عمان التي انعقدت يوم أمس، قمة ناجحة لكن الأمر مختلف إذا قورنت نتائج القمة، بما يحتاجه العرب من زعماء الأمة.
لست أدري لماذا يقتصر اجتماع الزعماء العرب في قممهم على يوم واحد، هو عملياً مخصص لإلقاء الخطاب والكلمات، قبل أن يلتقوا لساعات محدودة لإقرار القرارات والبيانات التي جرى إعدادها قبل القمة من قبل وزراء الخارجية.
الأوضاع العربية بما هي عليه، وما مرت عليه وما تقبل عليه تستحق أن تحظى بوقت أطول من زعماء العرب، للنقاش والمراجعة، وتحقيق التوافق على جملة كبيرة من القضايا والاستحقاقات، والأزمات. نقاش ينبغي أن يتجلى بجرأة النقد والصراحة، وتصحيح المسارات، التي أدت إلى تعدد الرؤى والأدوار وتضاربها، وفي كثير منها ما يقدم خدمة لأعداء الأمة العربية والذين تستهدف استراتيجياتهم وتدخلاتهم، تقسيم المقسم العربي والاستحواذ على ثروات الأمة.
جميل ما تضمنته خطابات الزعماء والملوك والأمراء والرؤساء، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي اعتبروها، قضية العرب المركزية الأولى، والتي حظيت باهتمام ظاهر في الصياغة، وفي تحديد المواقف إزاء المخاطر التي تتهددها. سيبدو كلام الرؤساء والملوك، على أنه شهادة أمام الممثلين الكثر الذين حضروا القمة من الأمين العام للأمم المتحدة، إلى مثل الاتحاد الافريقي، والتعاون الإسلامي، وممثلين عن أوروبا، والولايات المتحدة وروسيا، فضلاً عن عديد المؤسسات الدولية والعربية الأخرى.
في مقابلة مع صحيفة "الغد" الأردنية، أشار الرئيس محمود عباس إلى أن القرارات التي تمت صياغتها من قبل الاجتماعات التحضيرية للقمة، لم تترك شاردة أو واردة، بشأن القضية الفلسطينية إلاّ وتناولتها بمواقف واضحة، هذا استناداً إلى البرنامج الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية.
غير أن المشكلة لم تكن دائماً في ماهية القرارات التي تتخذها الاجتماعات العربية ولا في كثرة الحديث والتشديد على أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية الأولى، وإنما كانت في غياب الارادة والفعل العربي سواء لجهة الالتزام بتلك القرارات أو لجهة توفير إرادة عربية جماعية للعمل على أساسها.
الفعل الرسمي العربي، عملياً يتناقض مع هذا الإقرار، الذي يستدعي من العرب الاتفاق على مسألة من هو العدو الرئيسي للأمة العربية، فإذا اتفقوا على أنه إسرائيل، فإن ذلك يعكس حقيقة مدى رسوخ قناعة العرب بأولوية القضية الفلسطينية.
يتمزق العرب، كل وفق سياسات خاصة به، وأولويات مختلفة، فإذا كان الفلسطينيون يعتبرون أن إسرائيل هي العدو الأول للأمة العربية بأسرها وليس فقط للشعب الفلسطيني، فإن ثمة من يرى من العرب أن إيران هي العدو والخطر الداهم، وآخرون يرون الإرهاب، أو روسيا، أو تركيا، وبناء على هذا الاختلاف في تحديد مكامن الخطر والتهديد تختلف السياسات والممارسات.
وعلى الرغم من جميل الكلام الذي ورد في خطابات الزعماء، فإن المراقب سيلاحظ بدون كثير عناء، أن العرب ليسوا قريبين من إمكانية بلورة مشروع عربي موحد، وفق استراتيجية موحدة للتعامل مع قضاياهم وأزماتهم ومصيرهم.
بعد سبع سنوات على اندلاع ما يعرف بالربيع العربي، تتصارع كل الدنيا على مصالحها ونفوذها في المنطقة، إذ يحضر المشروع الأميركي، والإسرائيلي والروسي والأوروبي والتركي والإيراني، تحضر كل المشاريع فيما الغائب الوحيد هو المشروع العربي، الذي تحول إلى مشاريع، يقودها الخوف على الذات، ولا ترى أن العدوى ستصل إلى عقر دار الجميع.
يدفع العرب من دمائهم، ومن استقرار شعوبهم، ومن ثرواتهم ثمن غيابهم وتكالب الآخرين عليهم، كان ينبغي أن يلتفت الزعماء العرب بعد كل هذا الوقت وكل هذه الدماء، لما فعلت أياديهم، وأن يستدركوا هذا الوضع من خلال إرادة عربية جامعة.
هل يستطيع أحد أن يتحدث عن أن القمة العربية توصلت إلى استراتيجية ورؤية عربية موحدة فعلاً تجاه كل العناوين التي جرى تداولها؟ أم أن القرارات والكلمات لن تغادر عناوين الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، إلى حين ثم تختفي؟ لعله كان على المستشارين، والقريبين من كل زعيم عربي أن يلفتوا النظر إلى غياب الاهتمام الشعبي العربي عن مجريات هذه القمة، لأن مثل هذا الغياب ينطوي على مؤشرات خطيرة. أهم هذه المؤشرات أن المواطن العربي فقد الثقة بقياداته وزعاماته، وبكل ما يصدر عن الاجتماعات العربية المشتركة وأن العمل العربي المشترك ربما كان كذبة كبيرة، طالما أنه لم ينقذ بلداً، ولم يدرأ خطراً.
أما ثاني هذه المؤشرات فإن ثمة انفصالا بين الأنظمة والقيادات وبين شعوبها التي تدفع ثمن اخطاء وخطايا سياسات هذه الأنظمة وأنانية القائمين عليها. في واقع الأمر فإن القضية الفلسطينية تبدو على أنها موضع اهتمام الزعماء العرب. ولكن هل يمكن أن تكون كذلك في ظل هذا الغياب بل التجاهل للقمة من قبل الشعوب العربية؟
والحقيقة المرّة، هي أن الشعب الفلسطيني، أيضاً، لم يعد يعير كبير اهتمام للاجتماعات العربية، ولا للقرارات التي تصدر عنها، حيث أنه يعاني الأمرّين على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يرى من العرب إلاّ سياسات توظيفية وأغطية على سياسات رديئة. ولكن مرّة أخرى بعد الألف، فإننا لا نستطيع وليس لنا، أن نلوم العرب على عجزهم، وتشرذمهم، ونفاقهم، من دون أن نكون كفلسطينيين قد صححنا مسيرتنا المعوجّة، وممارساتنا الخطيرة بحق أنفسنا وقضيتنا. العرب مقصرون تجاه القضية الفلسطينية وأهلها ولكن الفلسطينيين، أيضاً، مقصرون تجاه أنفسهم وقضيتهم.