القمة العربية التي تنعقد في عمّان في التاسع عشر من هذا الشهر هي السابعة منذ اندلاع ثورة الياسمين في تونس نهاية العام 2010، بدت فيها نتائج تلك القمم من حيث الجديد والفعالية، أقل أهمية من منظمة حقوق إنسان.
القرارات والبيانات التي صدرت عن تلك القمم، لم تحظ بأي قدر من مصداقية الالتزام بالتنفيذ، أو بتوحيد الرؤى والمواقف، وكالعادة كثير من الكلام وقليل من الفعل. لم تنتصر القمم العربية الست السابقة، للكرامة العربية، ولم تنتصر لأي من الدول العربية التي تعرضت لتسونامي الاضطراب الكبير الذي يجتاح المنطقة.
بعض هذه الدول، لعبت دوراً سلبياً مباشراً في تغذية الصراعات الداخلية، من كل نوع، وقدمت خدمات جليلة لكل الأطراف الخارجية التي تلعب في مصير المنطقة لصالح مخططات جهنمية تستهدف فرض سايكس بيكو جديدة على المنطقة.
تعكس تلك السياسات فقراً في وعي أبعاد تلك المخططات التقسيمية، فلقد تصرفت بعض الأنظمة انطلاقاً من قناعة مريضة، على أنها محصّنة وبعيدة عن رياح التغيير وأن علاقاتها الحميمة مع الولايات المتحدة، ستجعلها بمنأى عن أن تكون جزءاً من مخططات التقسيم والصراع.
القضية الفلسطينية حظيت خلال القمم الست، ببيانات وقرارات مكرورة، يجري سحبها من الأدراج، غير أن السلوك السياسي بين هذه القمة وتلك لم يعكس اهتماماً معقولاً تجاه هذه القضية، التي تتعرض لمخاطر لا قبل للفلسطينيين وحدهم على مجابهتها.
وفق أولويات هذا النظام أو ذاك، تراجعت القضية الفلسطينية، وترك أهلها وحدهم في مجابهة مخططات إسرائيلية، استيطانية توسعية، تعمل على نسف الحد الأدنى من الحقوق الوطنية التي يسعى الفلسطينيون لتحقيقها.
وفق أولويات بعض الدول الفاعلة في السياسة العربية، ذهب البعض نحو الاستقواء بإسرائيل في مواجهة الخطر الإيراني، وأصبح هذا الخطر هو المحدد الأساس لبناء التحالفات، والتعاون، من دون أن ينجح كل ذلك في حماية تلك الدول، أو إبعادها عن استهدافات الجماعات الإرهابية.
عشر سنوات على الانقسام الفلسطيني الخطير، وعشر قمم عربية، لم تفلح في مساعدة الفلسطينيين على إنهاء هذا الانقسام، بل ان عديد الدول العربية أوغلت في لعبة الاستقطاب، وتحريض الطرفين على بعضهما البعض، ظناً منها أنها بهذه الطريقة، يمكن أن تعزز حضورها ودورها السياسي.
وخلال القمم الست، انشغلت الدول العربية في تأجيج التناقضات فيما بينها وأصبح بعضها معاوناً قوياً لهدم البيت العربي القطري والقومي لصالح أجندات تافهة، ثانوية، ولا تخدم في الأخير سوى التحالف الأميركي الإسرائيلي.
أمام قمة عمّان مهمة تاريخية، تفرض على الزعماء العرب أن لا يتخلفوا عن حضورها أولاً، وأن يراجع كل منهم، تجربة السنوات المنصرمة. لا داعي الى أن تكون جلسات القمة سرية ومغلقة، فإن فعلوا ذلك فإنهم يغلقونها على المواطن العربي، ذلك أن القوى المعادية لصالح الأمة العربية، تقف على كل المعلومات التي تحتاجها، فالقمة تكون مغلقة على المواطن ومفتوحة على غيره.
ليس عيباً ولا يشكل نقيصة الاعتراف بالخطأ والذنب، وإذا كان الاعتراف بالحق فضيلة، فإن الأفضل هو التراجع عن الخطأ، ليس على كل نظام عربي سوى أن يختار الاستقواء ببقية الأنظمة العربية، حتى يحمي نفسه أو يقلل الثمن الذي سيدفعه اليوم، أو غداً بسبب اشتعال النيران وتمددها على طول المنطقة وعرضها.
هذه المراجعة يجب أن تستند إلى قناعة أن النيران لن تترك دولة عربية واحدة، حتى لو بدا اليوم أنها محصنة، فمن يلعب بالنار تحترق أصابعه. أموال طائلة وإمكانيات هائلة أهدرها العرب على الصراعات والتدخلات البينية، والنتيجة المزيد من الانهيارات والمزيد من التفكك والضعف الذي يصيب الجميع دون استثناء. كانت هذه الأموال والإمكانيات ستساعد في معركة الدفاع عن مصالح شعوب المنطقة لو أنه تم توظيفها وفق سياسة تدرك طبيعة الجاري من الأحداث والصراعات.
الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، يبشر بأن هذه القمة مختلفة، فيتحدث عن مصالحات عربية، ما تبين منها حتى الآن، هو تقدم الوساطة لإجراء مصالحة بين السعودية ومصر، بالإضافة إلى الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس محمود عباس لمصر.
كان على العرب أن يتصالحوا داخلياً في بلدانهم، مع مجتمعاتهم ومع القوى السياسية والاجتماعية، التي ترفض الارهاب، وترفض العنف في معالجة التناقضات الداخلية، وأن تبادر إلى إجراء التغييرات الهيكلية والقانونية، التي تتناسب وتطلعات مجتمعاتها للعصرنة، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
بقاء الحال على حاله في الدول العربية، هو وصفة، لاستدعاء الاحتجاج والاضطراب والخطر، واقتراب النيران. لا يمكن القبول، أو الارتكان إلى أن وحدة مواقف الزعماء في القمة أو خارجها، يمكن أن يساعد العرب، إن كان ذلك سيكون على حساب مجتمعاتهم ودولهم، وعلى حساب وجود أنظمتهم وتماسكهم من الأساس.
حول القضية الفلسطينية يتحدث الأمين العام للجامعة العربية عن صياغة فلسطينية جديدة للحل أو الموقف لكنه لم يفصح عن طبيعة هذه الصياغة أو انه لم يتبلغ بها، مثلما هو حالنا نحن الفلسطينيين الذين يتابعون مجريات التحضير للقمة.
القضية الفلسطينية في هذه المرحلة في خطر شديد، في ضوء السياسات الأميركية، وفي ضوء استمرار اسرائيل بمخططاتها وفي ضوء استمرار الانقسام الفلسطيني. في التقييم السريع، والواثق، لا يبدو أن التحرك الأميركي الجديد، يحمل للفلسطينيين والعرب، ما يدعو للتفاؤل، لكننا نعرف أن لا الفلسطيني ولا العربي قادر أو راغب في تجاهل هذا التحرك.
إذ يصبح المطلوب من هذه القمة لا أن تسحب من أدراجها صياغات وبيانات وقرارات من الأدراج، وإنما صياغة قرارات تقف وراءها إرادة جماعية عربية قوية إزاء التمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية، ورفض المخططات التوسعية الإسرائيلية. يحتاج الفلسطينيون إلى جهد وإرادة عربية صادقة، للضغط على طرفي الانقسام لإنهائه واستعادة الوحدة، بما يساعد على تقوية الجبهة الفلسطينية الداخلية في مواجهة التحديات القائمة والقادمة.
ويحتاج الفلسطيني إلى تنشيط الدور العربي على المستوى الدولي لنصرة القضية الفلسطينية، ومساعدة الفلسطينيين على تحقيق المزيد من الإنجازات. ويحتاج الفلسطيني، أيضاً، إلى الكف عن التدخلات السلبية وتوفير الإمكانيات المادية لحماية النظام الفلسطيني من الابتزاز والضغوط التي تُلوّح بها الولايات المتحدة لإخضاع الموقف الفلسطيني.
إذن، فإن المطلوب إرادة جماعية حقيقية، ومصداقية في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه واتخاذه من قرارات، ليس من باب دعم فلسطين فقط وإنما لأن ذلك يساعد في حماية العرب ومصالحهم.