بقلم :طلال عوكل
تَعَوَّدَ الزعماء العرب، على الامتناع عن وضع شعوبهم، أمام الحقائق بحيث أصبح ذلك من سمات النظام العربي الرسمي. كان يمكن للصحافيين أن يستغنوا عن خدمات المحلّلين السياسيين، لو أن الشفافية، جزء أصيل من وعي المسؤول، أو أن القانون والنظام يفرضان على المسؤول فرداً كان أم مؤسسة بأن يقدم للمواطن ما يملك من معلومات، خاصة ما يتعلق منها بمصير الشعب.
لماذا يخجل المسؤول العربي، من أن يصارح شعبه بما يواجه البلد من أزمات ومن تداعيات؟ هل يمكن اعتبار ذلك ناجما عن عدم ثقة بوعي المجتمع ونخبه، أم أنه دلالة على ثقة زائدة بالذات؟ الزيارة التي قام بها العاهل الأردني لرام الله يوم الاثنين الماضي، ولقاؤه بالرئيس محمود عباس، تنطوي على أبعاد تاريخية لارتباطها بلحظة تاريخية في حياة ومستقبل فلسطين والأردن، أشار إليها، الملك الأردني في تصريح مقتضب قبل الزيارة. صحيح أن هناك قضايا مهمة بالمعنى اللحظي، خصوصاً فيما يتعلق بملف القدس وبجريمة اغتيال مواطنين أردنيين من قبل ضابط أمن إسرائيلي، غير أن هذه القضايا، تؤشر إلى مخاطر كبيرة حين تصبح جزءاً من السياق العام لتطور الأحداث ومآلاتها.
في درس المسجد الأقصى، لا بدّ أن ثمة قناعة مشتركة وعميقة من أن إسرائيل تتبنى سياسة منهاجية، لفرض السيادة على المسجد الأقصى، في محاولة لاستكمال مصادرة ملف القدس. الأمر من حيث الأهمية لا يقتصر على إمكانية فقدان الأردن لدوره في الإشراف على الأقصى، وإنما يذهب في اتجاه إدراك المخاطر الحقيقية لطبيعة المخططات الإسرائيلية ومراميها. الرئيس عباس كان قد أعلن عن حق، من أن معركة المسجد الأقصى لم تنته، وإنما بدأت للتو، ولذلك فإن هذا التقدير للموقف كان جزءاً من أسباب استمرار السلطة في قرارها بوقف الاتصالات بالجانب الإسرائيلي بما في ذلك التنسيق الأمني. في الوعي العام لما يحيط بالقضية الفلسطينية يصبح موضوع القدس، مؤشراً قوياً نحو قادم الأحداث والتطورات.
خلال الاشتباك في القدس، من ساحات الأقصى، كان الموقف الأميركي، خصوصاً والدولي بشكل عام، أكثر من متواطئ مع السياسة الإسرائيلية، حتى أن المناقشات في مجلس الأمن لم تفض إلى حتى بيان شكلي. في البداية كان الموقف يدعو لضبط النفس، وعدم التصعيد، وبعد ذلك جاء ليثني على الموقف الإسرائيلي برفع البوابات الإلكترونية. كوشنير وغرينبلات مبعوثا ترامب لم يكلفا نفسيهما الاتصال والتفاعل مع السلطة وكأنها خارج الحسابات والتأثير، وفضلا متابعة الأمر مع الأردن وإسرائيل قبل أن يغادرا المنطقة.
تجاهل السلطة كطرف فاعل مباشر وأساسي، لم يكن فقط سمة الموقف الأميركي والدولي، وإنما يشمل معظم الدول العربية والإسلامية، التي اكتفت بالتواصل مع واشنطن وتل أبيب. هذا فضلاً عن بعض المآخذ الأردنية الفلسطينية المشتركة إزاء مواقف بعض الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
بعد ذلك تابعت الإدارة الأميركية الضغط على الفلسطينيين من خلال تبنّيها للموقف الإسرائيلي من مخصصات الأسرى والشهداء، إذ اتخذ الكونغرس وبرضا من الرئيس ترامب، قراراً بخفض الدعم الذي تقدمه واشنطن لموازنة السلطة ما لم تتوقف عن دفع هذه المخصصات. وفي الأساس فإن جوهر الموقفين الأميركي والإسرائيلي من هذه المسألة، واعتبار الأسرى والشهداء إرهابيين، ينطوي ليس فقط على حكم ظالم وغير منطقي، وإنما أيضاً، تمتد أبعاده إلى طبيعة وجوهر الحقوق الفلسطينية
وعدالة القضية، يبدو أن الزعيمين الأردني والفلسطيني أصبحا على دراية بما تخطط له إسرائيل بتواطؤ، أو دعم علني وغير علني من قبل الولايات المتحدة. إسرائيل ماضية في تنفيذ مخططات لا تقوم على مبدأ حل الدولتين والانطلاق من الاعتراف بحدود الرابع من حزيران، والحل الإقليمي الذي تسعى إليه، يقوم على كيانين فلسطينيين، في غزة مرتبط بمصر وفي أقل من نصف مساحة الضفة مرتبط بالأردن. بل ربما تعود إسرائيل إلى نغمة الأردن الوطن البديل.
هذا هو الملف الأكثر خطورة وجدية الذي يفرض ذاته على كل اتصال بين الأردن وفلسطين.بعد ذلك تنطوي جريمة اغتيال المواطنين الأردنيين من قبل ضابط أمن إسرائيلي على خطورة من مستوى آخر، يعكس حقيقة نظرة إسرائيل للأردن ونظامه. الطريقة المتعالية والفوقية التي عبّر عنها نتنياهو خلال التعامل مع هذا الملف، تدعو إلى الغضب والتوتر، والخوف من الآتي. ليس هذا وحسب، بل ان وزير الأمن في حكومة نتنياهو عبّر باستخفاف شديد عن رفضه للموقف الأردني الرسمي من أحداث المسجد الأقصى.
هذا يعني أن اتفاقية السلام جيدة حين تخدم إسرائيل، وأنها لا تساوي شيئاً حين تكون في غير مصلحتها. بعد ذلك ثمة قضايا أخرى أقل أهمية من نوع ملف المصالحة الفلسطينية، والمواقف العربية إزاء ذلك، وهي مصدر شكوى من قبل الفلسطينيين، بما ينطوي عليه من توتر في علاقة السلطة ببعض الدول العربية المركزية. يحتاج الطرفان الفلسطيني والأردني كل لمعونة الآخر ودعمه، في التصدي لمصير مشترك، يهدد الطرفين ومستقبل قضاياهما، وشعوبهما، في غياب المعلومات نقدم هذا التحليل، إن أصاب فلا مكافأة وإن خاب فلا لوم.