بقلم : طلال عوكل
في غياب عدد كبير من فصائل العمل الوطني والإسلامي، يفيض حجمها ودورها السياسي والشعبي والكفاحي عن عدد المقاطعين والغائبين عن حضور الجلسة الثلاثين للمجلس المركزي، وهو واحد وثلاثون عضواً من أصل مئة وثلاثة وأربعين، فقد عقد المجلس جلسته الاعتيادية، وخرج ببيان سياسي مهم.
غير أن انعقاده، رغم توفر النصاب العددي، الذي يشير بحد ذاته إلى مشكلة تتصل بالتمثيل، حتى بدون احتساب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، يؤشر على مدى عمق الأزمة التي تضرب المؤسسة الوطنية الفلسطينية وتضعف التمثيل الفلسطيني الجامع.
لست الآن بصدد الخوض في موضوع الأزمة، ولا في موضوع الشرعيات، والتمثيل ولا بالطبع آلية اتخاذ القرارات في المؤسسات الوطنية التي يفترض أنها جامعة، فهذه حظيت بكثير من الملاحظات والانتقادات والاعتراضات، من قبل عديد الفصائل والمراقبين السياسيين.
لعل الأهم يتصل بما تضمنه البيان الختامي للمجلس، الذي تركزت الانتقادات بشأنه على نوعين: النوع الأول، يتعلق بأن قرارات المجلس مكررة ولا جديد فيها، أما النوع الثاني، فيصب انتقاداته على سؤال التنفيذ، إذ يعتقد هؤلاء، أن قرارات المجلس، هي تكرار لقرارات اتخذها المجلس عام 2015 و2018، وأكدها المجلس الوطني، واللجنة التنفيذية، لكنها لم تر النور حتى اللحظة. وبرأينا فإن بيان الدورة الثلاثين للمجلس المركزي، تضمنت جديداً بالإضافة إلى القرارات السابقة، وأنه قد حظي بصياغات أكثر جدية، وأكثر حزماً وحسماً، وأن روح البيان تعكس بعداً كفاحياً صارماً في مواجهة التحديات المطروحة أمام الفلسطينيين.
من جديد هذا المجلس أولاً، توصيف العلاقة مع الاحتلال العنصري، على أنها علاقة صراع، وصراع ممتد مع الولايات المتحدة التي يضعها البيان في موقع الشريك للاحتلال الإسرائيلي، وبأنها جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل
هذه النقطة، تقفل الباب أمام المتشككين، والذين يستخدمون بعض العبارات التي وردت في بعض القرارات، لكي يستخلصوا بأن ثمة مراهنة على إمكانية العودة للمفاوضات انطلاقاً من صفقة القرن.
كما أن هذه النقطة أيضاً تتجاوز الموقف المعلن سابقاً، بشأن رفض ومواجهة صفقة القرن، ووقف الاتصالات والتعاطي مع الولايات المتحدة إلى أن تعود عن قراراتها المتعلقة بالحقوق الفلسطينية.
وبهذا التوصيف فإن الولايات المتحدة، تقف على رأس أعداء الشعب الفلسطيني مثلها مثل دولة الاحتلال.
ومن جديد المجلس أيضاً، تأكيده الحازم على رفض التطبيع العربي الإسرائيلي، وذلك حين يؤكد البيان في موضعين: الأول، حين يذكر بضرورة تطبيق قرار قمة عمّان عام 1980، الذي ينص على قطع العلاقات مع أي دولة، تعترف أو تنقل سفاراتها إلى القدس. وفي موضع آخر، يؤكد بيان المجلس على التمسك بمبادرة السلام العربية التي اتخذتها قمة بيروت عام 2002، والتي تجري محاولات حثيثة لقلبها رأساً على عقب.
وفي جديد المجلس أيضاً، ولأول مرة تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً حركة المقاطعة (B.D.S)، وتدعو لتعزيزها، وتوسيع نطاقات عملها وضرورة الاستجابة الدولية لها.
ومن المهم أيضاً ملاحظة أن بيان المجلس لم يسجل أية إجراءات عقابية بحق حماس، أو بحق أهل غزة، لكنه أيضاً تجاهل الإجراءات السابقة التي اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني قراراً بضرورة التراجع عنها.
أهمية هذه الإشارة تعود إلى أن الكل توقع من المجلس أن يتخذ إجراءات أخرى، وذلك في ضوء الاستهلال الغاضب والمتوتر في خطاب الافتتاح، والذي وضع فيه حماس إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة، وكان من الأجدى أن يتم التمييز والفصل بينهما. علاوة على ذلك، كان المجلس الثوري لحركة فتح قد أوصى قبل أيام من انعقاد المجلس المركزي، بضرورة حل المجلس التشريعي، فضلاً عن كثرة التهديدات والتسريبات بعقوبات جديدة.
وأعتقد أن غياب مثل هذه الإجراءات عن قرارات المجلس، بالإضافة إلى نقاط أخرى وردت في بيانه تتعلق بالشأن الداخلي، ومنها الاستعداد لتشكيل مجلس وطني جديد بناءً لتوافقات سابقة، ومعالجة الأزمة بين فصائل المنظمة، كل هذا يعني أن المجلس ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية إعطاء فرصة جديدة لتحقيق المصالحة.
ما يؤكد ذلك أيضاً، تحرك الوفد الأمني المصري إلى قطاع غزة في اليوم التالي لانتهاء أعمال المجلس، والبدء بتحرك مكوكي جديد بين غزة ورام الله، عنوانه بحث ملفي المصالحة والتهدئة.
أما فيما يتعلق بالاعتراض الأساسي الآخر الذي يتصل بالعجز والمماطلة والتأخير في تنفيذ قرارات كان المجلس المركزي قد أقرها في دورته السابعة والعشرين، فإن الانتقادات التي تطرح، لا تراعي جانبين:
الجانب الأول، أنه إذا كان ثمة عيب في التنفيذ، فإن العيب لا ينسحب على نوع وطبيعة القرارات، لأن تنفيذها ينطوي على استحقاقات خطيرة، وبأن الثمن سيكون كبيراً، ولذلك يستوجب الأمر، تحضير الأدوات القادرة على إدارة هذا الصراع بأقل التكاليف، ويحتاج إلى وضع فلسطيني وطني مختلف حتى يكون قادراً على تحمل النتائج. أما الجانب الآخر فإن مثل هذه القرارات التي تعالج خمسة وعشرين عاماً منذ بداية أوسلو، تراكمت خلالها وقائع كثيرة، ليس من السهل تجاوزها، يحتاج إلى خارطة طريق، ويحتاج إلى رؤية متدرّجة عند التنفيذ.
وربما علينا أن لا نتجاهل، أن اتخاذ تلك القرارات قبل وصول ترامب وصفقته، كان يستهدف التهديد بها لتعديل مسار، وهو أمر جائز في العمل السياسي، ولكن، الأمر الآن مختلف، بعد أن تم بالوقائع تجاوز إمكانية توظيفها في اطار التهديد، فلقد اتخذت الأحداث مسارات خطيرة، غير قابلة للتعديل من جهة الحلف الأميركي الإسرائيلي.