الأسوأ من «كورونا»
آخر تحديث GMT 17:29:13
 فلسطين اليوم -

الأسوأ من «كورونا»

 فلسطين اليوم -

الأسوأ من «كورونا»

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

ليس لـ»كورونا» أن تفتخر أو تتباهى بأنها الأسوأ والأكثر قسوة على البشر من الاحتلال الإسرائيلي، ومن ضحايا الرأسمالية المتوحشة. صحيح أن «كورونا» فرضت قوانينها على سكان الأرض وأجبرتهم على تغيير سلوكهم اليومي ولكن إلى حين، لكنما ما حصدته ومن المتوقع أن تحصده لا يشكل سوى نسبة محدودة بالقياس لضحايا الحروب والصراعات والفقر والتخلف.

«كورونا» لم ترغم الناس على التشرد والهجرة والتفكك الاجتماعي وانتشار الرذيلة وتفكك منظومة القيم، فالناس مضطرون للتلاحم الاجتماعي في محاجرهم يأكلون ويشربون ويعيدون صياغة العلاقات المشتركة التي بددتها شروط العمل القاسي بحثاً عن لقمة العيش واضطهاد الأنظمة السياسية المستبدة على حقوق وحريات البشر.

حتى الآن، تصيب «كورونا» نحو مليونين وربع المليون إنسان، وقضى بسببها ما يقرب من مئة وستين ألفاً وعدد المتعافين يصل إلى ثلاثة أضعاف المتوفين. ماذا عن الاحتلال الإسرائيلي الذي أسقط مئات آلاف الشهداء وأكثر منهم من الجرحى والذي يتبع سياسة الباب الدوار في التعامل مع الإنسان الفلسطيني، إذ لا يهبط عدد الأسرى في سجونه عن الخمسة آلاف.

منذ العام 1967 يكون مليون فلسطيني من سكان الضفة وغزة والقدس قد أدخلوا السجون الإسرائيلية بمعدل سبع عشرة حالة اعتقال يومياً. هذا يعني أن كل عائلة وكل بيت ذاق مرارة السجن والحرمان والتعذيب، وبعضها لأكثر من فرد في العائلة، أو لمرات عديدة لبعض أفرادها.

يعتقل الاحتلال الإسرائيلي المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة العام 1967 ويشرد نصف الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات والمهاجرين وهو يأسر الأرض ويحاول أن يسرق التاريخ والتراث على هذه الأرض. نحو ثلاثة آلاف وأربعمائة أسير محكوم عليهم والبقية قيد الاعتقال الإداري أو التحقيق القاسي، ومن هؤلاء مئتا طفل أسير تقل أعمارهم عن سبعة عشر عاماً، تتجاهل إسرائيل كل قوانين الدنيا بشأن كيفية التعامل معهم ولا يكون لديها أي فارق بينهم وبين الكبار.

تحتفظ السجون الإسرائيلية بواحدة وأربعين أسيرةً بينهن حوامل وقاصرات ومصابات لا يحظين بالحد الأدنى من الرعاية الطبية أو الغذاء الصحي أو الزيارات او المعاملة الإنسانية. أما عن عدد الأسرى المرضى فيتجاوز السبعمائة أسير لا يتلقون الحد الأدنى من الرعاية الصحية، وقد أصيب عدد كبير منهم بعاهات وأمراض مزمنة تعرضوا لها داخل السجون، والمؤشرات عديدة ومتكررة التي تتهم السلطات الإسرائيلية بأنها تتعامل معهم كفئران تجارب.

غرف الاحتجاز تفتقر إلى التهوية وكثرة عدد النزلاء، تماماً كما هو وضع المدارس في قطاع غزة لجهة كثافة الاستيعاب في الغرفة الواحدة. هذا يعني أن «كورونا» إذا تسللت إلى أي سجن أو أي غرفة فإنها من المتوقع أن تنتشر كما النار في الهشيم وتحصد المزيد من الأرواح ليضافوا إلى مئتين واثنين وعشرين أسيراً استشهدوا داخل السجون منذ العام 67، إما بسبب المرض والإهمال الطبي وإما تحت التعذيب.

لم يكن الناس في الأراضي المحتلة بحاجة لـ»كورونا» أو غيرها التي تفرض عليهم الحجر حتى يشعروا بمعاناة الأسرى الذين أصبحت قضيتهم ومعاناتهم ذات طابع اجتماعي شامل وأصبحت مصابا جللا لكل المجتمع الفلسطيني. يزداد الوضع سوءاً بالنسبة للأسرى ليس بسبب منع الزيارات والتواصل مع أهاليهم في زمن «كورونا»، ذلك أن الأسوأ ناتج عن سياسة الحكومة التي يديرها نتنياهو الذي يحاول جاهداً توظيف «كورونا» لإنقاذ نفسه والمتاجرة بمعاناة الأسرى للضغط على الفلسطينيين من أجل أربعة أسرى إسرائيليين قد يكون بعضهم جثثاً.

تظل سياسة الاعتقال والتعذيب جزءا أصيلاً من سياسة وطبيعة الاحتلال، حتى لو تم التوصل إلى صفقة تبادل، إذ سيعود لملء سجونه الثلاثة وعشرين بأسرى جدد أو قدامى كما فعل مع محرري صفقة شاليت، حيث أعاد اعتقال نحو ستة وأربعين منهم بأمل استخدامهم مجددا لتقليص حجم الثمن الذي سيدفعه في أي صفقة تبادل جديدة.

في تعامله مع الأسرى الفلسطينيين، لا يفارق الاحتلال طبيعته الإجرامية والعنصرية التي تتجاوز كل قوانين وأعراف الدنيا ويتصرف على أنه فوق القانون وكل القوانين الإنسانية التي عرفتها وتعرفها البشرية.
بالرغم من ذلك فإن تجربة الاحتلال الطويلة في التعامل مع الأسرى لا تشير إلى نجاحه في إحباط الفلسطينيين وقتل روحهم الكفاحية، فمن يسوم منهم عذاب السجن تتضاعف قناعاته وإرادته في تخليص الشعب الفلسطيني من وباء الاحتلال.

لقد أكدت الحركة الأسيرة على مدار تاريخها أنها عصية على الكسر أو الترويض، وكانت من داخل السجون تقود النضال الوطني الفلسطيني وتعبر عن صمود شعبها وتمكسه الحازم والعميق بحقوقه الوطنية وبحتمية الانتصار. لقد أطلق الرئيس محمود عباس في يوم الأسير وعداً بأنه لا يمكن التوقيع على أي تسوية بإنهاء الصراع دون تبييض السجون الإسرائيلية وتحرير كل الأسرى. وعد الرئيس لا يعني أن ثمة مراهنة على إمكانية التوصل إلى سلام نهائي ولا يعني أيضاً اليأس من إمكانية تحريرهم بقدر ما أنه يعكس إصرار الشعب الفلسطيني وقيادته على تحريرهم.

قد يهمك أيضا :  

 حول الاستثمار البشع للكوارث

"أميركا أولاً" أم أميركا فقط ؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسوأ من «كورونا» الأسوأ من «كورونا»



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday