إذا كانت صفقة ترامب معلومة مسبقاً من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي فإن نية ترامب الإعلان عنها في هذا التوقيت، هي الموضوع الذي يستحوذ على اهتمام السياسيين ووسائل الإعلام.
لا يتعلق الأمر بما تسرّبه الصحافة الإسرائيلية حول ما تتضمنه الصفقة فإن كان صحيحاً وكاملاً، أم متخيلاً وناقصاً، فإن المعرفة الفلسطينية مبنية على ما اتخذته الإدارة الأميركية من قرارات تتصل
بالقدس، والأمن وحق الفلسطينيين بالعودة فضلاً عن الموقف المعلن من مدى شرعية الاستيطان. الصفقة الأميركية تنسف عملياً وكلياً، قرارات ومرجعيات الأمم المتحدة، التي يفترض أن تكون مرجعية أي عملية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولذلك فإن ما سيأتي بعد ذلك، لا ينطوي على إمكانية تحقيق سلام مقبول من الفلسطينيين، ويؤدي إلى إنهاء الصراع كهدف لكل الساعين لتحقيق
السلام. استناداً إلى هذه المعرفة، وحتى ما يرد في الصحافة الإسرائيلية فإن الفلسطينيين موعودون، كحد أقصى يمكن أن ترفضه إسرائيل أيضاً، بدولة شكلية، ليست منزوعة السلاح فقط وإنما منزوعة الصلاحيات، ومواطنوها ليسوا سوى مقيمين، كما حال الفلسطينيين في القدس. إن ما هو مطروح لا يتجاوز مسألة تدوير زوايا، تمكن دولة الاحتلال من مواصلة احتلالها، وسيطرتها ونهبها للأرض
والحقوق والثروات الفلسطينية، مقابل مساعدات مالية تحسن واقع أحوالهم ومعيشتهم. في الحكم على المشهد السياسي الوطني العام، يبدو أن كل الفلسطينيين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم، يقفون خلف موقف رافض لهذه الصفقة وللسياسة الأميركية الإسرائيلية، غير أن الواقع على الأرض مع استمرار الانقسام، كأمر واقع، يشير إلى غير هذا. بقاء الانقسام، يعطي الأولية للوقائع التي تفرضها السياسة
الأميركية الإسرائيلية على الأرض، بحيث تصبح المواقف الرافضة مجرد كلام فارغ، للتغطية على أفعال وسياسات تخدم المخططات الإسرائيلية. لا نتحدث هنا عن الاستراتيجيات التي ينبغي للفلسطينيين أن يغيروها ولا عن خطوات مواجهة هذه الصفقة، التي لا تفشلها التصريحات والمواقف على أهمية ذلك، وإنما نتحدث عن الواقع القائم المتمثل بالانقسام وتبعاته، ودوره في الكشف عن
النوايا المستورة التي تغطي عليها التصريحات البراقة. على الصعيد الإسرائيلي يبدو أن كل الأطراف السياسية والأمنية، تعرف مسبقاً، مضامين وبنود وأهداف وآليات تنفيذ هذه الصفقة، حتى قبل الإعلان عنها أميركيا، وأن كل هذه الأطراف ترى فيها تطابقاً مع الاستراتيجيات الصهيونية، رغم أن بعضها يرفض من الأساس فكرة وجود دولة فلسطينية مهما كان شكلها وشروط إقامتها. غير أن
من يرفض ما يمكن أن تتضمنه الصفقة بشأن دولة فلسطينية ممسوخة، لا يضع الإسرائيليين في موقع التعارض مع الإدارة الأميركية، طالما أن الفلسطينيين يرفضون، وطالما أن إسرائيل تتحكم في العلاقة بين الضفة وغزة، والقائمة على واقع الانقسام. ولكن بالرغم من هذا التوافق الإجماعي الإسرائيلي على دعم والتعامل مع الصفقة، من واقع الشراكة الكاملة بين إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن
ثمة ارتباكا في الوسط السياسي الإسرائيلي. لا يعترض بعض الإسرائيليين على الصفقة وأهدافها وآلياتها، لكن ما يثير الخلاف، هو التوقيت والدوافع الأميركية. ثلاثة مسؤولين إسرائيليين يسافرون إلى واشنطن فبالإضافة إلى نتنياهو وغانتس، قد سافر فعلا رئيس المجلس الإقليمي للمستوطنات في الضفة الغربية (ما يسمونها «السامرة»). الدعوة التي تركت لدى غانتس وحلفائه تردداً في البداية، حول
إذا ما كان عليه أن يلبي الدعوة أم يرفض السفر، لها علاقة بإدراك الهدف والدوافع من الزيارة ومن إعلان الصفقة في هذا التوقيت بالذات. والحال انه لم يكن أمام غانتس سوى أن يلبي الدعوة، وأن يقدم موعد سفره حتى يتمكن من العودة وحضور جلسة الكنيست يوم الثلاثاء لبحث موضوع حصانة نتنياهو. الإدارة الأميركية عمليا تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في بداية آذار،
لتحقيق بضعة أهداف. أول هذه الأهداف حماية المستقبل السياسي لحليفها المجرب بنيامين نتنياهو، وإنقاذه من ورطته القضائية والسياسية بعد أن فقد كل أمل في إنقاذ مستقبله السياسي. ثاني هذه الأهداف إظهار نتنياهو على أنه الرجل الأكثر إخلاصاً ونجاحاً في الحفاظ على الدعم السياسي والاقتصادي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل. ثالث هذه الأهداف الضغط على بني غانتس، للقبول بمساومة
تمكن الإسرائيليين من تجاوز الفشل المتوقع في تشكيل حكومة والذهاب إلى انتخابات ثالثة، حيث تسعى الإدارة الأميركية لإقناع غانتس بتشكيل حكومة وحدة، مع وجود نتنياهو، وبضمان بقائه لفترة على رأس الحكومة. ترامب هو أيضا بحاجة إلى تجنيد دعم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لضمان دعمه في مواجهة إجراء العزل، وفي الحصول على دعمه في الانتخابات الرئاسية التي
ستجرى قبل نهاية هذا العام. هذا ما يشغل الساحة الإسرائيلية اكثر من انشغالها بالموقف من الصفقة أو حتى من ردود الفعل الفلسطينية والعربية.
قد يهمك أيضا :
ماذا تنتظرون وعلى ماذا تراهنون؟
لا تكفي المراهنة على حركة التاريخ