بقلم : طلال عوكل
ثمة ما يدعو القيادة الفلسطينية للقلق، واتخاذ قرارات وإجراءات ثورية، تنهي هذا الاستنزاف الشديد في الوقت، والاستنزاف في الجهد، الذي يزداد تبعثراً. الكل يشتغل على عامل الوقت الذي لم يتبق منه الكثير، فالتدخلات عديدة، ومستعجلة، والاطراف المعنية هي الأخرى أكثر استعجالاً، الكل مستعجل إلاّ الفلسطينيين الذين لا يزالون يراوحون في حساباتهم ومواقفهم تجاه أهم عامل من عوامل التصدي لصفقة القرن، وهو الوحدة الوطنية.
في يوم واحد، تواجد في قطاع غزة، الوفد الأمني المصري، الذي كان يحضر لزيارة رئيس جهاز المخابرات الوزير عباس كامل، ووفد آخر من البنك الدولي، وثالث من الاتحاد الأوروبي، وفي السياق ذاته يتحرك الدكتور عدنان مجلي في ساحة غزة، وهو يتطلع إلى أن يأخذ دوراً في الاستثمار والتنمية.
باستثناء الوفد الأمني المصري، الذي يبحث مع حركة حماس وفصائل أخرى ملفات المصالحة والتهدئة، فإن الوفود الأخرى تجري لقاءات حثيثة مع المجتمع المدني بهدف بحث آفاق العمل التنموي والتشغيلي. يبدو أن كلام رئيس مكتب سياسي حماس في غزة يحيى السنوار قبل فترة لوسائل الإعلام من أن الحصار سينكسر مع منتصف تشرين الأول، لم يكن عبثياً.
بالتأكيد فإن السنوار لم يكن يقرأ الفنجان وإنما يستند إلى معلومات ووعود، ولكن بالرغم من أن الأحداث تجاوزت منتصف تشرين الأول بقليل، بدون أن تظهر معالم ذلك الوعد، الا أن السياسة كما قال احدهم يوما لا تعرف المواعيد المقدسة.
لو أنني كنت مكان السنوار، لما حددت تاريخاً، ولقلت أن غزة، ستشهد انفراجات متدرجة، وواسعة قبل نهاية هذا العام، ذلك أن لا أحد يضمن دقة التواريخ، في ضوء التعدد الواسع للمتداخلين والأطراف المهتمة، وفي ضوء المفاجآت التي يمكن أن تقع في أي وقت بسبب تضارب السياسات والمواقف والمصالح.
في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من هذا الشهر، سينعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وأمامه أجندة مليئة بالعناوين المهمة، وعليه أن يتخذ قرارات، لا أن يناقش قرارات سابقة كان قد اتخذها في دورات سابقة.
وفيما يرشح من تقديرات وليس معلومات فإن المجلس قد يتخذ المزيد من الإجراءات بحق حركة حماس والناس في قطاع غزة، فضلاً عن قرارات تتعلق بالعلاقة مع اسرائيل، خصوصاً وقد قصمت إسرائيل ظهر البعير، حين بدأت جرافاتها تتقدم نحو بيوت الخان الأحمر، الذي يشكل خطاً أحمر بالنسبة للفلسطينيين.
الزيارات التي تتم لقطاع غزة في هذه الفترة، تستهدف استثمار الوقت القليل، حتى انعقاد المجلس المركزي، بأمل أن يتم تحريك ملف المصالحة، واستتباعاً لملف التهدئة، الذي تستعجله كل الأطراف خاصة الأساسية المعنية، وهي إسرائيل وحركة حماس. ولكن من الواضح أن حركة الأموال القطرية، وحركة ممثلي الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، وآخرين، توحي برسالة ضاغطة، مفادها، أن الأمور، قد تتجاوز مسألة المصالحة، نحو تحقيق تهدئة، إذا لم ينجح المسعى المصري في الوصول إلى اتفاق. بعض المؤسسات الدولية التمويلية، بدأت تبحث في غزة مع منظمات المجتمع المدني، مسألة التشغيل، لتقليص نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب والخريجين. الشروط متساهلة جداً، ولا تبحث عن تنافس الكفاءات، وإنما تشترط تشغيل الشباب المتزوجين والمعيلين لأطفال، أو لذويهم، والهدف واضح بطبيعة الحال. هذا الحراك سبقه ورافقه تصعيد محسوب من قبل الجانبين، فلقد تصاعدت التهديدات من قبل إسرائيل، بتوجيه ضربات قاسية لحركة حماس، مشفوعة برسالة عملية حين أوقعت سبعة شهداء وعددا كبيرا من الجرحى يوم الجمعة المنصرمة.
الفصائل في غزة هي الأخرى، تواصل مسيرات العودة وإطلاق الأطباق الورقية والبالونات الحارقة، وبعض الشباب، يتجرؤون على اقتحام السياج الفاصل. في هذه الأثناء وفي ظل وجود الوفود كلها في غزة، تتدخل جهات أخرى لا مصلحة لها في التهدئة، فتقوم بإطلاق صاروخين، محمّلين برؤوس متفجرة، الأمر الذي قابلته إسرائيل بقصف أكثر من عشرين موقعاً لحركة حماس، وفيما يعتقد أنها أراض فارغة. الرسالة مفهومة من قبل كل الأطراف، فإسرائيل تعرف جيداً، أن حركة حماس، لا ترغب في التصعيد، وأنها ليست من يقف وراء إطلاق الصواريخ، ولكنها أي إسرائيل تحمل حماس المسؤولية.
نعم حماس تتحمل المسؤولية لأنها من يدير الأمن في القطاع، وأن عليها أن تتوقع مثل هذه التدخلات، التي تستهدف خلط الأوراق وتعطيل تفاهمات التهدئة، وتتسبب لها بحرج شديد، أمام الوفود الزائرة.
هذا التدخل يعني فيما يعنيه، أنه لا يجوز لحركة حماس أو غيرها أن تعتقد بأنها قادرة على إملاء خياراتها، وبأنها في وضع مريح يجعلها تتشدد أكثر في موضوع المصالحة، طالما أن الكل ينشد موافقتها على تحقيق التهدئة، وإقفال ملف مسيرات العودة.
سيتضح في كل مرة، أن لا أحد في مأمن، وأن المصالحة هي السبيل الوحيد، الوطني، المقبول، الآمن الذي يشكل مدخلاً لمعالجة مشاكل وأزمات الفلسطينيين، ويجعلهم أكثر قدرة على مجابهة المخاطر المحدقة، التي تستهدف حقوقهم ووجودهم.