تواصل السياسة الإسرائيلية، مدعومة بكامل طاقة الولايات المتحدة، اجتثاث الحقوق الفلسطينية، الواحد تلو الآخر، ويتجنّد الكنيست، لقوننة القرارات والإجراءات التي تتخذها وتتقدم بها حكومة اليمين المتطرف.
بعد ملف القدس، تمهد الولايات المتحدة الطريق لمصادرة حق عودة الفلسطينيين وإلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ثم ملف إعدام المناضلين الفلسطينيين وملف الجزء الأكبر من أرض الضفة الغربية، إلى اعتبار الصندوق القومي الفلسطيني منظمة إرهابية، وخصم مستحقات الشهداء والأسرى من أموال المقاصة.
من الواضح أن إسرائيل تعمل على التخلص من رعب الميزان الديمغرافي، فبعد أن أقصت مليوني إنسان في غزة، تتجه لإقصاء أكثر من مليونين ونصف المليون فلسطيني في الضفة.
الخطوة التالية ستكون إعلان إسرائيل دولة يهودية، ما يجردها من خصائص وقيم الديمقراطية المزعومة، ذلك أن مثل هذا الإعلان من شأنه أن يدفع العنصرية إلى أقصى حد ضد الفلسطينيين الصامدين فوق أرضهم في مناطق 1948.
هي الحرب الشاملة إذاً يعلنها التحالف الأميركي الإسرائيلي ضد حقوق الفلسطينيين، وأيضاً ضد قرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
في ظل مثل هذه السياسة التي تتجاوز الحاجة للتحليل والاستنتاج، ينعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في الرابع عشر من هذا الشهر، لكي يحدد الرؤية الفلسطينية والخيارات اللاحقة لمواجهة تلك الحرب المجنونة.
لا بدّ أن الوضع أكثر تعقيداً وصعوبة من أن ينبري بعض الفلسطينيين، لوضع الحلول المناسبة دون إخضاع الأمر لتحليل عميق إزاء التداعيات المرتقبة إزاء أي من الحلول الشعاراتية الغاضبة.
أول موجبات اللقاء والبحث، هو أن تلبي كافة القوى، خصوصاً حركتي حماس والجهاد الدعوة للحضور وتحمّل المسؤولية مع الكل الوطني.
لا عذر لمن يتخلف عن المشاركة الفاعلة في النقاش ولا عذر أصلاً للتأخر في الاستجابة للدعوة، والبحث في كيفية التغلب على صعوبات المشاركة بسبب المكان الذي ينعقد فيه المجلس.
والحقيقة هي أن الأولوية في اختيار المكان ستكون منطقياً ونضالياً على الأرض، التي تسعى إسرائيل لمصادرتها، فالتحدي يجب أن يكون على الأرض ذاتها.
إن اختيار مكان انعقاد المجلس، لا يمكن أن يخضع لاعتبارات وجود الاحتلال وقواته التي تستطيع الوصول إلى مكان الاجتماع، فطالما اختارت إسرائيل الحرب والصراع فإن ذلك يستدعي من الفلسطينيين الارتقاء بمستوى المجابهة إلى الحد الذي يذهب إليه الاحتلال.
نعلم ويعلم الجميع، أن السياسة الأميركية الإسرائيلية بما تتخذه من إجراءات وقرارات وقوانين، إنما تدفع الأمور نحو الصراع المفتوح على كل أرض فلسطين التاريخية، وكل حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية ما يعني سقوط أوهام النضال على أساس رؤية الدولتين بالمفهوم الفلسطيني المستند إلى قرارات الأمم المتحدة.
ونعلم ويعلم الجميع، أيضاً، أن فرص تحقيق السلام مع إسرائيل سواء استناداً إلى مبادرة السلام العربية أو غيرها، قد تراجعت إلى الصفر غير أن قراءة موازين القوى الراهنة، والأوضاع العربية والدولية، من شأنها أن تؤجل لوقت لاحق، إقرار الفلسطينيين لاستراتيجيات تقوم على أساس هذا الاستنتاج.
هذا يعني أن القرارات التي يفترض أن تصدر عن المجلس المركزي، لا بد أن تعالج بمواقف صارمة، الصراع في واقعه الراهن لكن العمل على الأرض ينبغي أن يذهب في اتجاه خوض الصراع الشامل على كل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
يستدعي ذلك أن تكون المراجعة لما سبق سريعة، وتذهب إلى الخلاصات العامة، وأن تتجنب القوى الخوض في سجالات المسؤولية عن الفشل، بما يؤدي إلى استنزاف طاقة الفلسطينيين.
دعوا مسألة الحساب للتاريخ، فلكل نصيب من المسؤولية عن فشل الحركة الوطنية الفلسطينية خلال المرحلة السابقة.
المهم أن التقييم السريع لمجريات ربع قرن منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، يعطي استنتاجاً واضحاً لا مجال فيه لنقاش أو اختلاف، فلقد عملت إسرائيل كل ما بوسعها للإطاحة بذلك الاتفاق، وآليات التعاطي معه.
لقد تأخر الفلسطينيون في اتخاذ الموقف المناسب للرد على شطب اتفاقية أوسلو من قبل إسرائيل ولذلك يجب أن يكون القرار الأول للمجلس المركزي الفلسطيني، الإعلان عن تخلي الفلسطينيين عن ذلك الاتفاق، وقيوده وشروطه.
إن مثل هذا القرار وإعلانه، وما يستدعيه من إجراءات وقرارات أخرى، سيكون مفهوماً ومتفهماً من قبل المحيط العربي والإقليمي والدولي الذي عليه أن يتحمل مسؤولياته، إلى جانب الفلسطينيين.
مثل هذا القرار الابتدائي يؤسس حكماً لقرار بوقف التنسيق الأمني، ووقف التعامل مع اتفاقية باريس.
ستكون لذلك تداعيات، وصعوبات، والأرجح أن إسرائيل ستقابل ذلك بالمزيد من الإجراءات والاعتداءات والقيود، لكن كل ذلك، جزء من الثمن المحسوب على مرحلة الفشل، ولكنه، أيضاً، جزء من حالة الاشتباك الذي ينبغي تعظيمه وتوسيع نطاقه، وأعتقد أن قرار إنهاء الالتزام باتفاقية أوسلو سيفرض حكماً أو أنه يعني، سحب اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، أو كحد أدنى ربط هذا الاعتراف باعترافها بدولة فلسطين في ضوء جدول زمني قريب ومحدد.
بعد ذلك فإن جملة من القرارات ينبغي أن يكون هدفها تعزيز صمود الفلسطيني على أرضه، وتمكينه من خوض الصراع بكل ما يتطلب ذلك من تضحيات. وطالما أن الأصل هو أن السياسة الأميركية الإسرائيلية تدفع الأمور نحو خوض الصراع الشامل على كل الحقوق التاريخية، فإن ذلك يستدعي إعادة تعبئة وتنظيم الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده داخل وخارج أرض فلسطين التاريخية.
في هذا الصدد لا بد أن يندفع الكل الفلسطيني نحو تجاوز العقبات التي تعترض سبيل إنجاح المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية ومن نافل القول إن الانتقال إلى مرحلة جديدة، يفرض بالضرورة إعادة النظر في كل الأدوات التي لم تعد تصلح لمواجهة التحديات الجديدة. والأمر يبدأ من إعادة بناء منظمة التحرير وأذرعها الطويلة، وعلى أساس الشراكة والتعددية، ويستدعي ذلك كله الاتفاق والتوافق على حق الشعب الفلسطيني في خوض النضال بكافة الأشكال، غير أن هذه المرحلة تفرض الاتفاق على اعتماد المقاومة الشعبية، والسياسية والدبلوماسية ما يعني، أيضاً، فتح الأبواب على مصاريعها لمحاصرة وعزل الولايات المتحدة ومحاسبتها في كافة المحافل الدولية التي يمكن الوصول إليها.