فيما تتجه الأوضاع في ليبيا إلى مزيد من التدهور نحو الانفجار الكبير القادم، تواصل القاهرة، استعداداتها لإحداث تحويل كبير في خارطة الصراع الدامي.
لم يكن كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي مجرد تهديد إعلامي فارغ حين تحدث أكثر من مرة، عن مدى أهمية ما يجري في الجوار الليبي بالنسبة للأمن القومي المصري والعربي.
لقد آثرت مصر طوال الوقت عدم التدخل المباشر، واكتفت بدعم الدور الذي يقوم به الجيش الوطني الليبي بزعامة حفتر، غير أنها لم تعد قادرة على الاحتفاظ بهذا الخيار، بعد التدخل التركي العسكري المباشر، الذي يعكس استراتيجية إقليمية عَبر دولة مفككة لتحقيق مصالحها في ثروات المتوسط فضلاً عن الثروة الليبية.
إن كان التدخل التركي المباشر في ليبيا ينطوي على مغامرة خطيرة، ترى أنقرة أنها تستحق التضحية فإن مصر الكبيرة، ترى في هذا التدخل خطراً محدقاً على أمنها القومي والاجتماعي، وأنها الدولة الأكثر أهلية بالمعنى القومي والقانوني لأن تكون هي صاحبة الفعل والكلمة الأولى من بين عديد الدول التي تتواجد على الأرض الليبية.
ليست مصر وحدها التي تتأثر مصالحها بالتدخل التركي، الذي يستفز، أيضاً، دول الاتحاد الأوروبي واليونان وقبرص وإسرائيل، وسورية ولبنان.
تركيا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي لكنها شريك في الحلف الأطلسي، الأمر الذي يتسبب في صدع كبير لهذا الحلف. وفي حين تكتفي الدول الأوروبية، بالتهديد لاتخاذ عقوبات ضد تركيا، التي تخرق قرار مجلس الأمن بشأن وقف تدفق الأسلحة، ووقف إطلاق النار، فإن الولايات المتحدة تبدو وكأنها تقف متفرجة، انطلاقاً من رؤية تشير إلى مصلحتها في تدخل كل الأطراف في صراع يؤدي إلى ضعفها جميعاً، قبل أن تصدر كلمتها الأخيرة.
حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، تخرق، أيضاً، قرارات قمة برلين، وتجري الاستعدادات لشن هجوم عسكري واسع على الجفرة وسرت، ما لم يعلن الجيش الوطني الليبي انسحابه منها.
خلال هذ الفترة من التهديدات المتبادلة والتحضيرات الميدانية، استكملت مصر، تحضير الشرعية القانونية، لتدخلها العسكري المحتمل، بالرغم من أنها متضررة من التدخلات الخارجية في الأوضاع الليبية، وبإمكانها تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك. حين يتواجد الجيش المصري في دولة عربية بموافقة أهلها فإنها لا تتخذ طابعاً استعمارياً بالعكس من وجود دول غير عربية.
الرئيس عبد الفتاح السيسي قال أمام وفد القبائل الذي زار مصر مؤخراً، إن مصر تدخل بقرار ليبي وتخرج بقرار ليبي، الأمر الذي ينطوي على احترام عميق للشعب الليبي ومصالحه.
في إطار التحضير القانوني، تلقت القاهرة طلباً ودعوة من البرلمان الليبي، ومن الجيش الوطني، ومن زعماء القبائل، للتدخل العسكري المباشر. بذلك تكون القاهرة قد استكملت الحصول على شرعية رسمية وعسكرية وشعبية، الأمر الذي يمهّد لانعقاد مجلس الشعب المصري، للبحث في إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا.
وفي حين يلاقي الدخول العسكري التركي، والدور الذي يستهدف القيام به معارضة واسعة دولية وعربية وليبية، فإن التدخل المصري المرتقب يحظى بدعم كل هذه الأطراف بشكل عام، خاصة وأن مصر ليس لديها دوافع خاصة وأطماع تجاه جارتها العربية، كما أنها في غنى عن خوض حروب مكلفة، لا على جوارها ولا في أي مكان آخر. لا يعني ذلك أن مصر، تتجاهل الصراعات والتدخلات في الجوار العربي وبما أنها دولة كبيرة، وتشكل عامود الخيمة العربية، فإنها تتعامل بحكمة، وتركز عملها على تسريع وتطوير عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير الأمن والسلم والاستقرار الداخلي لشعبها.
على أن إقدام القيادة المصرية، على اتخاذ قرارات استراتيجية ينطلق من طبيعة التهديدات التي يواجهها الأمن القومي المصري، الذي يتعرض لمخاطر جسيمة لا يمكن غض النظر عنها طويلاً. التدخل العسكري المحتمل في ليبيا، ينطوي على رسالة أخرى جدية جداً فيما يتعلق بالخطر المحتمل على تأثير السياسة الأثيوبية إزاء حصة مصر من مياه نهر النيل.
قبل أيام قليلة، كادت الأوضاع تنفجر على هذه الجبهة بعد أن نشر خبر عن أن أثيوبيا، بدأت تملأ سد النهضة بالمياه، وتجاوز الحوار الجاري الذي لم ينجح حتى اللحظة في تحقيق تسوية بين الأطراف الثلاثة المعنية: مصر والسودان وأثيوبيا. على أن ظهور هذا الخبر، وسرعة أديس أبابا بنفيه، لا يبشر بالخير، ولا يشير إلى نوايا طيبة من قبل أثيوبيا.
في مقال سابق أشرت إلى أن أثيوبيا مدفوعة بسياسة إسرائيلية أميركية خبيثة، قد تختار التصرف من طرف واحد والبدء بملء خزان سد النهضة، بمجرد أن تتجه الأوضاع في ليبيا إلى صراع عسكري واسع بدخول قوات مصرية.
تعيدنا هذه التهديدات والأزمات الخطيرة، إلى بدايات الحراك الشعبي المصري، حين كانت مصر، معرضة لمؤامرة تقسيمها، وإضعافها، تمهيداً لإنجاح المؤامرة على الدولة الوطنية العربية، والنماذج الدالة على ذلك، متوفرة بقوة من سورية إلى العراق وليبيا واليمن.
التدخل المصري المحتمل والمدعوم من قبل شعوب المنطقة، يؤكد حقيقة غابت طويلاً عن النظام العربي الرسمي، وهي أن العرب هم المعنيون بأمنهم القومي، وأنه لا ثقة بآخرين يبحث كل عن مصالح بلاده، وأن العرب إذا أدركوا هذه الحقيقة فإنهم يملكون القوة، والقدرة على حماية المصالح والثروات العربية.
بلغة واثقة يعلن الرئيس السيسي، أن الجيش المصري، قادر على قلب الطاولة وتحقيق الحسم في ليبيا بأسرع وقت ممكن.
هذه هي الإرادة العربية التي يفتقدها العرب منذ سنوات، وهذه هي الإرادة المطلوبة، في ظل تكالب الوحوش والطامعين.
قد يهمك أيضا :
ليس للعرب حليف إلّا العرب
ثمة ما ينبغي عمله أيضاً