لا تختلف التحضيرات لعقد المجلس المركزي في دورته الثامنة والعشرين عن ما تعود عليه الفلسطينيون في مثل هذه المحطات المهمة على الرغم من أن مرحلة جديدة تستدعي تغيير أشكال وأساليب العمل الداخلي وذلك في إطار الحاجة لتغيير كل شيء بما يتناسب وطبيعة المرحلة.
إذا كان على المجلس المركزي كمحطة تشريعية في غياب المجلس الوطني، أن يراجع بجد ومسؤولية المرحلة السابقة التي تمتد لحوالى ربع قرن من الزمان فلقد كان من المفروض أن ينخرط كل الفاعلين، مؤسسات وفصائل وأفراداً مثقفين وأكاديميين ومفكرين ونشطاء سياسيين واجتماعيين في حوار عميق من أجل التوصل إلى استنتاجات تحظى بثقة وإجماع الشعب الفلسطيني.
نشطاء المجتمع، يعقدون الندوات، والمؤتمرات، واللقاءات، ويجرون النقاشات بعيداً عن استعداد القيادات العليا، للاستفادة من مخرجات تلك النشاطات ما يُعمِّق أزمة الثقة بين الرأي العام الفلسطيني وبين قياداته وفصائله الوطنية.
لا أحد يستمع إلى أصوات المعبّرين عن الرأي العام، فكل طرف يعتقد أنه هو الذي يمثل الرأي العام، وأنه الأكثر أهلية، لاتخاذ القرارات التي تخدم الشعب والقضية.
حتى النقاشات التي تدور في أروقة المجلس على مدار يومين، لا تخرج عن سياق الخطب والكلمات، والمطالبات، وفي النهاية يجد الأعضاء أنفسهم أمام بيان تقدمه لجنة صياغة، تكون قد حضرت مسوّدته قبل انعقاد المجلس كما يتضح من واقع الحال.
هكذا هي آلية اتخاذ القرارات، كما تعودت عليها المؤسسات الوطنية العامة، وهي آلية لا تتفق والحاجة الماسة، التي تفرض الاستفادة من الخبرات الوطنية في مرحلة خطيرة، هي جديدة كل الجدة عن المرحلة السابقة.
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، كان عليها أن تنخرط في سلسلة اجتماعات مباشرة بعد أن أعلن ترامب عن قراره بشأن القدس، لكنها لم تعقد سوى اجتماع واحد، عشية انعقاد دورة المجلس المركزي، ليصدر عنها بيان عام لا يحمل مؤشرات الانتقال إلى مرحلة جديدة مختلفة.
يزداد المشهد ارتباكاً وتشوشاً، وسلبية، بسبب امتناع حركتي حماس والجهاد الإسلامي عن المشاركة، ومشاركة رمزية من قبل الجبهة الشعبية، التي تكتفي بإرسال مذكرة أو بيان تقدم فيه وجهة نظرها إزاء القرارات المطلوب اتخاذها.
لم نكن نتوقع أو نتمنى أن تتخذ هذه الأطراف الفاعلة، مثل هذا القرار بالمقاطعة، ذلك أن مشهد توحد الفلسطينيين أمام شعبهم وأمام المجتمع العربي والدولي، أكثر أهمية من المبررات التي تطرح لتفسير قرار الامتناع عن المشاركة.
يطالب الفلسطينيون العرب والمسلمين بأن يتوحدوا على حماية الحقوق الفلسطينية والعربية، فيما الفلسطينيون غير موحدين ولو شكلياً ويطالب الفلسطينيون المجتمع الدولي بإنصاف الحق الفلسطيني والتوحد حول قرارات الأمم المتحدة، فيما الفلسطينيون مختلفون حتى على حضور اجتماع.
الانقسام إذاً لا يزال يشكل العنوان الأبرز للعلاقات الداخلية الفلسطينية، ولا تزال الحسابات الفئوية هي التي تسيطر على طريق التفكير السياسي للفصائل في وقت تشكل فيه الوحدة الوطنية الرد الأول وربما الأهم في مواجهة تحديات المرحلة القادمة.
المرحلة القادمة، تحمل في طياتها وعلى نحو واضح وصريح، سياسة أميركية إسرائيلية، تقوم على مصادرة الحقوق الوطنية الفلسطينية الواحد تلو الآخر فبعد القدس، حق العودة، وملف الحدود.
هي الحرب يعلنها التحالف الأميركي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وحقوقه وعلى قرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص، ما يستدعي تكاتف كل الفلسطينيين، وإعادة بناء كل حجر فلسطيني وكل مؤسسة وابتداءً بتعريف المشروع الوطني.
لا سبيل للمراوغة واللف والدوران، إزاء ضرورة إقفال مرحلة أوسلو بالشمع الأحمر، فلقد سبق أن فعلت إسرائيل ذلك قبل سنوات طويلة، لا بد من الخروج من نفق أوسلو، والقيود التي يفرضها على الفلسطينيين، وإعادة النظر في طبيعة وجوهر وأشكال العلاقة مع الاحتلال بما يستدعي وقف كل أشكال التنسيق الأمني واتفاقية باريس الاقتصادية.
وبالتقييم الموضوعي العلمي، لأشكال العلاقة مع إسرائيل لا بد من الإعلان الواضح والصريح، عن وقف أي مفاوضات سياسية وغير سياسية في إطار البحث عن السلام إن كان هناك مجال لسلام.
المجلس المركزي مطلوب منه أن يحدد الرؤية المستقبلية للصراع وأشكال خوضه في هذه المرحلة، إذ لم يعد ثمة وقت يمكن هدره وتستفيد منه إسرائيل.
هذا يعني أن على المجلس أن يتخذ قرارات إبداعية، ذات طبيعة عملية إجرائية ملزمة للمنظمة والسلطة الوطنية، والكل الفلسطيني.
إذا كان الأمر على هذا النحو، فإن التاريخ سيحاسب كل من يتخلف عن المشاركة، النظرية والعملية، وبما يقصي مناخات الاشتباك بدعوى أن هناك من لم يشارك في صياغة القرار.
معلوم أن مثل هذه المراجعة، النقدية، التي يفترض أن تفضي إلى سياسات جديدة، وممارسات مختلفة، لن تمر هكذا من دون ثمن، فالتحالف الأميركي الإسرائيلي، سيستخدم كل ما لديه من قوى ووسائل لتدفيع الفلسطينيين ثمن هذا التمرد على سياساتهم ومخططاتهم.
الزمن مهم، فالقرارات ينبغي أن تجد طريقاً سريعاً إلى التنفيذ العملي من دون أي تردد أو تأخير، فالوقت من دم ودموع وحقوق فإن كان على الفلسطينيين أن يدفعوا مثل هذا الثمن فليكن في ساحة المواجهة الشاملة مع الاحتلال وحلفائه، وليس في انتظار التدخلات من هنا أو هناك، أو المراهنة على تغييرات ووعود كاذبة.